الأحد، 27 فبراير 2011

الاحزاب الاسلامية و التجربة التركية

اختلفت ردود الافعال في الاوساط السياسية و الفكرية بعد صدور حكم مجلس الدولة بالسماح بتأسيس حزب الوسط ، و رغم أن كاتب هذة السطور لا ينتمي سياسيا إلي حزب الوسط لكني فرحت بهذا القرار التاريخي الذي اثبت فعليا أننا في طريقنا إلي تجاوز و نسيان ضيق الحياة السياسية المصرية قبل ثورة 25 يناير ، الذي لم يكن يسمح لاي تيار سياسي جاد أو من الممكن لة أن يكون بديل عن استبداد الحزب الوطنى الحاكم و فزاعة جماعة الاخوان المسلمين أن يخرج للنور ، و أن يعمل فوق الارض .

ورغم ذلك فوجئت بردود فعل سلبية من شريحة كبيرة من التيار العلماني تجاة حزب الوسط بل و خلط كبير بينة و بين جماعة الاخوان المسلمين "فكريا" ، و درات العديد من النقاشات حول كيف نطالب بدولة مدنية ديمقراطية و يكون هناك أحزاب لها مرجعيات إسلامية .


و يعاني أصحاب هذا الرأي من خلط كبير و عدم فهم لطبيعة التيارات الاسلامية المتنوعة التي تقدم نفسها علي الساحة السياسية و يمكننا أن نضع تقسيم لهذة التيارات علي النحو التالي :-
* ديكتاتوريات عسكرية و أسر حاكمة تتبعها مؤسسات دينية رسمية "و هو التحالف التاريخي بين الاستبداد و الكهنوت" و تقوم فية الموسسة الدينية الرسمية عن طريق مفتيها و باقة من ألمع رجال الدين فيها بصياغة ما يمكننا تسميتة اسلام الدولة الرسمي ، و تعمل الموسسة الدينية على الانقضاض علي التعليم و اجهزة الاعلام بمباركة السلطة لصياغة التوجهات و فقا لظروف الدولة و أحوالها .

و نماذج هذا النوع ثلاث (الاسلام المصري ، الاسلام السعودى ، الاسلام الايراني) الاسلام المصري شهد تحالفا بين مؤسسات الحكم" خاصة بعد يوليو 1952" و بين المؤسسة الدينية و هي الازهر ، و قد أخذت المؤسسة الدينية علي عاتقها تبرير سياسات الدولة من الحقبة الناصرية و بدأ الترويج لفكرة أن الاسلام يدعو للاشتراكية ، ثم التحول إلي سياسات الانفتاح الاقتصادي" إن خلقناكم فوق بعض درجات" ثم السلام مع اسرائيل "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله" و قد وضح الدور الذى تقوم بة هذة المؤسسة و هو اضفاء نوع من الشرعية لسياسية الدولة المفتقدة للشرعية و الرضا او القبول الشعبي.
الاسلام السعودي او البترودولار و رغم بدائية هذا النوع من" الاسلام الرسمي " و ضعف أسسة الفكرية الا أنة مدعوم بشكل كبير للغاية سواء في الداخل أو الخارج بقوة الورق الاخضر القادم من بلاد العم سام و قدرتة علي الاغراء ، و الفكرة الاساسية التي يقوم عليها هذا النوع في دعمة للاستبداد هي "القرآن دستورنا" و هذا ما يمنع وجود دستور بشري فيتحول الامر لحكم "سموة" المطلق الفردي ولا يستطيع أحد أن يحاسبة .

الاسلام الايراني و هو أيضا نوع من البترودولار لكنة يتميز بأسس فكرية أقوي من النوع السعودي و لكن عائقة الوحيد هو تشيع هذا النوع من الاسلام ، تقوم عقيدة هذا النوع علي "ولاية الفقيه" ، و هي نوع كهنوتي يقوم علي الصياغة الدينية لسياسات الدولة العليا و أن يقوم بتنفذها من يرضي عنة الفقية أيضا .

و يمكنك أن تجد في كل بلد عربي او اسلامي هذا النوع من " الاسلام الرسمى " بعد أن تقوم الدولة بتطويرة وفق مصالحها و خصوماتها .

*اسلام تكفيري تفجيري جهادي و هذا النوع العنيف الدموي الذي لا يعرف الا لغة الدم و القتل و هذا النوع لا يعترف الا بــ"الحاكمية" ، يكفر كل شي ودون نقاش دون عقل لا يعرف التبرير و لكن يعرف كيف يصنع القنابل و يرتدي الحزام الناسف ، إنه إسلام يئس إلى حدود العدمية من بلوغ أية أهداف أو تحقيق أية برامج بأي أسلوب أو منهج غير أسلوب ومنهج التكفير والتفجير الإرهابي الانتحاري شبه الأعمى، ولتكن النتائج مهما تكن حتى لو انعكست تدميرا على الإسلام عموما، وعلى الإسلام التكفيري نفسه تحديدًا.

و هذا النوع الطالباني الاصولي المدمر قد قام بالكثير من العمليات الارهابية في مصر و الجزائر و غيرها من البلدان ، و كانت أشهر و أقوي هذة العمليات هي هجمات 11 سبتمبر علي الولايات المتحدة .

* النوع الثالث هو اسلام الطبقات الوسطي و يتميز هذا النوع بكونة حيوي و معتدل و فاعل الي حد كبير في المجتمع محب للحياة يكرة العنف يهتم بالتجارة و الاستثمار و الزراعة و الصناعة يهتم بالاسواق و البنوك ، و رغم كون هذا النوع محافظ الا انة متسامح الي حد كبير و يميل الي الاستقرار و السلام و غير مصاب بالهوس الدينى و لا يسعي للتفتيش في ضمائر الاخرين ، رؤيتة للدين أوسع و أكبر من مجرد الحدود و العقوبات الجسدية ، يؤمن بدور الفن و الموسيقي في المجتمع و لا يحرمهما ، هذا النوع لا يصارع العالم و لا يري في الحضارة الغربية أنها حضارة الجنس و الافخاد بل يتعلم منها و ينقل من معارفها و يسعي أن ينافسها .

هذا النموذج الثالث نجدة في حزب العدالة و التنمية التركي الحاكم ، و المفارقة الجيدة في هذا النموذج التركي أنة في بلد كان عاصمة للخلافة الاسلامية ثم تحول الي بلد تحكمة ايديولوجية علمانية صريحة و يصل الي حكمة حزب يعلن انتماءة الاسلامى صراحة في انتخابات نزيهة و دون أن تحدث أي صدامات كما حدث بالجزائر .

و من المفارقات الرائعة لهذا الحزب أنة عندما وصل الي السلطة لم يسعي لتشكيل لجان الامر بالمعروف و النهي عن المنكر بل حافظ على الدولة الكمالية العلمانية و علي مؤسساتها و عمل بجهد لكسب مزيد الاصلاحات علي كل المستويات ، و لم يتحول المجتمع التركي في عهدة الي مجتمع ديني بل زادت سلطة المجتمع المدني ، و احترام حقوق الانسان ، و خاض الحزب معارك من أجل استفلال القضاء ، و تدعيم حرية الرأي و الديمقراطية .

و عن الاداء الاقتصادي لتركيا فحدث ولا حرج عن القفزة الجبارة لتركيا في عهد هذا الحزب و تحول تركيا لقوة اقتصادية عظمي و ارتفاع مستوي دخل الفرد و انحسار البطالة .

و رغم أن حزب العدالة و التنمية هو صاحب الاغلبية الحقيقة و الاصلاحات الواقعية للاتراك لم يسعي يوما الي الارتداد للخلف و لم يخرج علينا أردوغان يقول لنا أن الشوري أفضل من الديمقراطية ، أو أن نعادي الثقافة الغربية بل بالعكس يسعي الحزب بكل قوة الي الدخول في الاتحاد الاوربي و الي توطيد علاقاتة بالشرق و الغرب .

و يبقي شعار الحزب التركي الاسلامي هو" المزيد من الاصلاح و التحديث" .
حزب الوسط الاسلامي المصري الذي يحاول محاكاة حزب العدالة و التنمية التركي و يقدم برنامج حزبي محترم ، كيف يمكن أن نرفض هذا الحزب و نتحدث بسخف عن مرجعية دينية ، ألا يوجد بأعتي الدول الديمقراطية أحزاب مسيحية أليست انجلا ميركل المستشارة الالمانية تنتمى الي حزب مسيحي .

لابد لنا أن نترك طرق تفكيرنا القديمة تذهب مع النظام البائد فالواقع السياسي قد تغير و الاسلاميين أو الفزاعة كلمة مطاطة و غير صحيحة و قد كشفت ثورة 25 يناير عن كثير من الحقائق السياسية التي حاول نظام مبارك أن يخفيها عنا بشتي الصور .

فتح القنوات الشرعية للسياسية المصرية و ظهور احزاب كالوسط و غيرة كفيل بأن يقضي علي التيارات المهوسة دينيا و ينهي علي نظرية إما التأسلم أو اللاشي التي جعلتنا نعاني بسببها لعقود طويلة .

خلايا النظام النائمة


كثيرا ما تراهم الاعين يتكلمون فى الشأن العام و يعلقون على الاحداث الجارية ,يشرحون و يحللون و يستفضون دون ان يضيفون اى جديد او قيم لمن يدقق فى كلامهم او يأخذة مأخذ الجد,يطنطنون و يتلعثمون بكلام ليس لة معنى ولا مضمون ,تجدهم كثُر منتشرين كالنار فى الهشيم او كالبهائم فى البرسيم, تجدهم فى الاعلام بجميع أنواعة مرئى و مسموع و مقروء.

معدومى الثقة بالنفس و  شديدو الاحتقار للجمهور, قليلو الامل فى تنصلح احوال بلادنا,يكرهون كل من هو ناجح او من الممكن ان ينجح,يلوثون جميع انواع المعارضة حتى و ان بدات فى متناول النجاح و التقدم,فقد لدغو من جحرهم سابقا فقررو ان يكرسو ذكائهم فيما يمكن ان يعود عليهم بالنفع السريع.

تطولهم يد السلطة الباطشة من فترة الى اخرى فهم ضحايا اكثر منهم جناة ,حاولو ان يكونو محترمين و لم يتحملو دفع ضريبة الاحترام فى بلادنا المأزومة ,نشا لديهم احتقار للجمهور لانهم ادركو ان الناس فى بلادنا لا ينفعون ولا يضرون على الاقل على المدى القصير ,حاولو دائما ان يكونو فى الصفوف الامامية و يبتعدو عن الناس.

لا يساريين ولا يمنين نحن وسطين ,هكذا دائما يتكلمون ويرددون دون ان يقنعون خاصة اذا كان جمهورهم من المثقفين لا من المصفقين فنحن نعرف انهم يقولون هذا الكلام ليس عن اقتناع او ايمان بمبدا ,لكنة ظرف اقتضة المصلحة الخاصة و اتت بة التعليمات,فان تكون وسطيا كهؤلاء يتيح لك ان تلعب على الحبال دون ان يقال عنك انك بلا مبدا ولا طعم ولا لون فتصيرا منبوذا مطعون فيك و فى اراءك.

لهؤلاء العديد من الاساليب التى يستخدمون فيها ذكائهم و منها مثلا:الاهتمام بالشكليات
فى موضوع مثلا كالتطبيع مع اسرائيل عندما تحاول الحكومة جاهده ان تزيد من حجم التطبيع مع اسرائيل و يكون الجميع غاضب من هذا ,يجىء دور هولاء فهم يعرفون جيدا صعوبة تبرير مثل هذا الموقف,فتجدهم يتحدثون عن ان الدولة هذة تطبع و الدولة تلك تطبع و ان الصف العربى مشرذم و ما الى ذلك من الكلام الذى يخرج من الموضوع الاساسى .

و من الاساليب ايضا التى يستخدمها هؤلاء:لكل شى مميزات و عيوب
تجدهم يتحدثون عن بعض عيوب النظام لدقيقة فانت تعرف بالطبع نحن لا نعيش فى جنة ,ثم يتحولون للهجوم الضارى على جميع انواع المعارضة المصرية دون الحديث عن التضيق الامنى للمعارضة المصرية او اى شى سوى ان معارضتنا سيئة و لا تستحق الحياة او التجديد .

و تجد ايضا هؤلاء يتحفونك بالكثير مثل:انتظار الاشارة الحكومية
تجد ثورة عظيمة يقوم بها شعب تونس و يحاول و يناضل لحريتة تجدهم يهدمون الثورة فى تونس و يحلمونها ما لا تطيق ويصفونها بانها لن تضيف جديد و انها عمل فاشل سىء و يحطمون معنويات جميع ابناء الشعب المصرى المتحمسين لهذة الثورة التونسية ,قد يكونو لن يكرروها و لكنها بعثت فيهم امل ما يحاول هؤلاء قتلة .

ولان هؤلاء دائما ما يحاولون ان يلبوثو ثوب المثقف فتجد يتحدث عن نفسة و يصف ذاتة بان صراحتة المفرطة هى عيبة الخطير!او ان ثقتة بالناس لا حدود لها على طريقة المدح بما يشبة الذم.

ناهيك عن القاء اللوم الدائم على المجهول او الشعب:يبررون الفقر بان المشكلة السكانية هى السبب !يبررون الكارثة التى حدثت فى كنيسة الاسكندرية بان الشعب قد تحول الى السلفية و الوهابية و ان اياد خارجية هى السبب ولا تجدهم يتكلمون عن نظام تم اختراق مصر ثقافيا و امنيا فى عهدة !.

هذا غيض من فيض للاساليب الملتوية التى يستخدمها هؤلاء للعب على حبال النظام كالمهرجين و القرود,هم طابور خامس يبثون الانهزامية و الانكسار ويعتمون على كوراث النظام و يغطوها و ينكشفون هم  .

الجمعة، 25 فبراير 2011

أرسطو


يرى كثير من المحللين للعلوم السياسية,ان أرسطو يعتبر اول من ارسى قواعد هذة العلوم,و جعلها علوم مستقلة و لها قضاياها و مجالاتها المتخصصة.فلقد حرص أرسطو على ان يجمع بين تحليلاتة الفلسفة  الواقعية و رؤيتة العقلية لواقع المجتمع الاغريقى الذى عاش فية بالفعل.فجاءت تحليلاتة خاصة عن نظام الدولة و الحكم من افضل انواع التحليلات السياسية و الواقعية المتميزة.و هذا ما تمثل فى تحليلاتة عن طبيعة الدولة و الشروط التى ينبغى ان تقوم عليها الدولة و هى ثلاث عناصر اساسية و هى:
1-السكان:حيث يعتبر السكان العنصر البشرى الذى يقوم بتاسيس المجتمع ولابد ان يكون هناك حجم سكانى امثل كقيام نظام سياسى فاضل و متميز.
2-المساحة او الاقليم:يعتبر الموقع الجغرافى او الاقليمى (الفيزيقى)العنصر الاساسى فى قيام الدولة,ولابد ان يتميز هذا الموقع بخصائص جغرافية وامنية متميزة,و تتوفر فية كافة الضمانات الاساسية لمعيشة المواطنين.
3-الطبقات الاجتماعية:لم يضع أرسطو نظام للدولة الاغريقية عن طريق وجود نوع من تقسيم العمل الاجتماعى و السياسى بين الفئات الاجتماعية التى توجد فى الدولة و هذا ما حددة لكل الفئات الاجتماعية و مجموع السكان الامثل الذى تشارك بة الدولة.

على اية حال,ان تصورات أرسطو السياسية لنظام الدولة,و تصوراتة عن الحجم الامثل للسكان من حيث العدد و الفئات الاجتماعية تعد نوعا من التحليلات السياسية و الاقتصادية و الديمجرافية المبكرة,التى وضعت نظريات متكاملة خلال العصور الوسطى و الحديثة انطلاقا من افكار أرسطو فى هذا المجال.

من ناحية اخرى,تجىء اهمية تحليلات أرسطو السياسية من خلال طرحة لعدد من الافكار السياسية الهامة,مثل انواع الحكومات,و خاصة انة يحاول ان يعكس الوضع السياسى الموجود فى عصرة,و ايضا تطلعاتة كمفكر سياسى لافضل انواع الحكم السياسى,الذى يتطلع الية من اجل تحقيق سعادة الانسان و المواطن بصورة عامة.فلقد اشار اولا الى الحكومات الصالحة,التى تلتزم بالقانون و الدستور,و هى ثلاث انواع فرعية ,الحكومة الملكية,و الارستقراطية,و الثيموقراطية(الدستورية).و ثانيا الحكومات غير الصالحة (الفاسدة),و تشمل ثلاث انواع,و هى الحكومة الديمقراطية,و الاوليجاركية,و حكومة الطغيان.و ان كنا نلاحظ تبريراتة حول الحكومة الديمقراطية و تصنيفها على انها من الحكومات الفاسدة,و خاصة عندما يسعى مجموعة من الاحرار لامتلاك السلطة السياسية دون مشاركة الجماهير.

و تكمن اهمية تحليلات أرسطو السياسية,نظر لاهتمامة بالكثير من القضايا و المشكلات التى يهتم علماء السياسة فى الوقت الحاضر,و منها مشكلة او مبدا فصل السلطات,تلك المشكلة التى اهتم بها من خلال اولا,تركيزة على ضرورة التميز بين تخصصات الفئات الاجتماعية و السياسية و العسكرية,التى توجد فى دولة المدينة.و ثانيا, من خلال تحليلة لانماط السلطات او الهيئات الثلاثة,و هى السلطة التشريعية التى تتجسد فيها مصادر التشريع و السيادة السياسية,السلطة التنفذية,التى تمثلها الادرات التى تقوم بتنفيذ القوانين و ادارة شئون الدولة.ثم اخيرا السلطة (القضائية)التى تشرف على القضاء و انواع المحاكم و الفصل فى الخلافات القضائية و العدائية بين المواطنين, و العمل على احترام القانون و الدستور و التمسك بة.و بالطبع ان تحليلات أرسطو عن مبدا الفصل بين السلطات,وجدت اهتماما ملحوظا خاصة عن الكثير من المفكريين السياسين ولا سيما "مونتسيكو","ودوتوكفيل"و غيرهم من رواد او اصحاب نظرية العقد الاجتماعى من امثال "لوك","روسو","هوبز"و هذا ما سوف نتكلم عنة لاحقا.

بالاضافة الى ذلك,تجىء اهمية تحليلات أرسطو السياسية الواقعية و اثراؤة لعلم الاجتماع السياسى من خلال تحليلة لكل من الحركات الاجتماعية و الثورات فلقد اهتم أرسطو ,بدراسة العلاقة بين التغير الاجتماعى و حدوث الثورات  السياسية و الاجتماعية ,و هذا ما جعلة يحلل مجموعة من العوامل التى تؤدى الى التغير الاجتماعى,و هى تغير النظم السياسية و الاجتماعية و تغير الولاء و الانتماء من قبل المواطنين لها,و ظهور الثورات نتيجة لعدم وجود المساوة و تحقيق العدل,و التغير السريع فى نمط الحكم و خاصة ظهور الحكومات الفاسدة التى تؤدى الى اهدار حقوق المواطن و المواطنين و الاسراف فى استخدام القوة و القهر و الاجبار للامتثال للسلطة السياسية.كما اشار ايضا,الى مجموعة من العوامل التى تؤدى الى حدوث الثورة,و منها على سبيل المثال,حدوث المؤامرات السياسية,و الترف الزائد للفئات او الطبقات الغنية,و الخوف المتزايد من قبل السلطة على المكانات السياسية و المراكز القيادية,و الاهمال الشديد لحقوق المواطنين و الدولة,و عدم التجانس بين الفئات و الطبقات الاجتماعية و السياسية.بايجاز,لقد حرص أرسطو على ان يطرح افكارة السياسية فى اطار من الواقعية و الموضوعية,و هذا ما تمثل فى مناقشاتة السياسية لعدد من القضايا السياسية الاخرى مثل حقوق المواطن و السياسة الاجتماعية و غير ذلك من قضايا متعددة اخرى.

أفلاطون

تكمن اهمية فلسفة السياسة عند "أفلاطون"لانها مزجت بين الواقعية و المثالية,و هذا ما ظهر فى عدد من مؤلفاتة و نخص منها مؤلفاتة السياسية,التى ظهرت فى"الجمهورية",التى ترجم فيها فكرة السياسى عن المدينة المثالية "الفاضلة". كما جاءت ايضا تحليلاتة السياسية فى مؤلفة الثانى"القوانين و رجال الدولة",محاولا ان يجمع فيها نظريتة السياسية و الاخلاقية و القانونية و الفلسفية فى نفس الوقت.كما جاءت محاولات أفلاطون لتعكس طبيعة نظام الدولة "دولة المدينة"
و اعتبارها الوحدة السياسية الرئيسية,و خاصة ان تصوراتة لمفهوم الدولة,انعكس من واقع المجتمع الاسبرطى,الذى كان يعتبر نموذجا مثاليا و واقعيا للمجتمع السياسى خلال هذة المرحلة التاريخية,وذلك نتيجة للتصدع السياسى و التفكك الاجتماعى الذى اصاب المجتمع السياسى لمدينة اتينا,و ذلك نتيجة لمجموعة من القواعد الاخلاقية و السياسية و الدينية و الاجتماعية,التى اصابت هذا المجتمع الاخير.و هذا ما يعكس عموما,مدى ربط أفلاطون بين الفلسفة و السياسة و الاخلاق و القيم الاجتماعية,وهذا ما جعل الكثير من علماء السياسة ينظرون الى أفلاطون بأنة مؤسس النظرية السياسية الاخلاقية.

وربما تجىء تحليلات أفلاطون عن الطبقات الاجتماعية و السياسية خير نموذج للاسهام الاْفلاطونى فى مجال السياسة و تطور الفكر السياسى,و هذا ما ظهر فى تحليلاتة عن توزيع السلطات فى المدينة الفاضلة و هى:
1-حراس الدستور,الذين يحافظون على الدستور و عدم تغيرة.
2-مجلس الشيوخ,و هى الفئة التى تتولى حكم المدينة بالاتفاق مع حراس الدستور.
3-الكهنة و رجال الدين,الذين يتولون رعاية المعابد و القيام بالطقوس الدينية.
4-حكماء التربية,و هى الفئة المختصة بتربية النشىء على اسس اخلاقية و سياسية و دينية.
5-رجال القضاء و الحاكم,و هم فقهاء العقل و الحكمة و العدل و يسعون الى تحقيق العدالة و الفضيلة.
6-قادة الجيش,الذين يقومون بحراسة بوابات المدينة من العدو الخارجى.
7-رجال الشرطة,و هم يقومون بتنظيم القواعد الداخلية و استقرار الامن الداخلى
8-التجار,و هى الفئة التى تعمل بالنشاط التجارى و لهم حق المواطنة.
9-العمال الزراعين,الذين يقومون بالنشاط الزراعى و الانتاجى البسيط.
10-عمال الصناعة,و هى الفئة التى تعمل بالحرف و المهن و تلعب دورا اساسيا فى الحياة الاقتصادية.

و بايجاز,سعى أفلاطون لان يطرح نظريتة عن الفئات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية,و قد حدد طبيعة وظائف السلطات داخل المدينة الفاضلة ,حتى يحدث نوع من التجانس بين مكونات البناء الاجتماعى الطبقى فى مدينة اسبرطة.كما يحاول ان يعقد نوع من التحليلات الاشتراكية التقليدية بين الفئات و الطبقات الاجتماعية,وذلك من اجل تحقيق الرفاهية,و العدالة و الشجاعة و هذا ما ظهر فى تحديدة للاختصاصات بين الفئات الاجتماعية و السياسية السابقة,وهذا بالطبع,يؤثر على طبيعة الاستقرار السياسى و الاجتماعى لدولة المدينة السياسية الفاضلة,حيث لكل فئة من الفئات السياسية و الاقتصادية و الدينية السابقة,عدد من الوظائف التى تهدف لتحقيق فضائل اخلاقية معينة.

من ناحية اخرى,لقد عرض أفلاطون نظرية سياسية هامة فى نظم الحكم,و هذا ما جاء فى مؤلفة"الجمهورية",و ايضا"السياسة"حيث اشار الى افضل انواع الحكومات,و هى حكومة الدولة المثالية الديمقراطية,ثم الدولة الثيموقراطية,و هى نموذج من الدولة المثالية فى حالة فسادها.فالدولة الاوليجاركية,و هى حكومة الاقلية ذات الثراء المادى او ما يطلق عليها حكومة الاثرياء او الحكومة البيلوتوقراطية.و ان كان قد ميز الحكومة الاوليجاركية بانها افضل فى نظام الحكم عن الحكومة البيلوتوقراطية,و تمثل الاخيرة الفساد او مرحلة حديثة من الحكومة الاوليجاركية(حكومة الاقلية او الصفوة الغنية)و اخيرا,حاول أفلاطون ان يطرح طبيعة نظم الحكم بصورة مثالية,و ذلك عن طريق وجود عدد من القادة السياسيين الذين يجمعون بين الحكمة,و العفة ,و الفضيلة,و الشجاعة و يجمع بين هذة الفضائل عند الفيلسوف الحاكم كما زعم أفلاطون.

كما نلاحظ ايضا,ان أفلاطون حرص على ان يطرح نموذجا تصنيفيا لافضل انواع الحكومات,على اساس التزام الدول بالقوانين او الدستور و هذا ما جاء فى تصوراتة للدولة الواقعية.فلقد اشار اولا,الى عدد من انماط و نظم الحكم (الدولة)المستبد التى تمثل للقوانين و هى :ثلاث انواع فرعية(حكومة الملك المستبد,حكومة الاقلية الاستقراطية,حكومة الاقلية المعتدلة).و ثانيا,الحكومات التى لا تلتزم بالقوانين,و تشمل حكومة الطاغية او الفرد المستبد,حكومة الاقلية او الاوليجاركية,و حكومة الديمقراطية المتطرفة الغوغاء.ما من شك ان اراء أفلاطون السياسية لآفضل انواع الحكومات ,لا تزال تعتبر الاطار المرجعى لكل من القادة السياسين و المهتمين بالعلوم السياسية و الاجتماعية و الفلسفية الآخلاقية فى نفس الوقت .علاوة على ذلك,لقد اهتم أفلاطون بافكار سياسية هامة,مثل تحليلاتة عن الديمقراطية و الشيوعية,و علاقة هذين النظامين السياسين بلاقتصاد و الاخلاق و التربية,و هذا ما يفسر عموما تصورات أفلاطون السياسية المثالية و الواقعية عامة.

حديقة النغم

حملت الى الريح عطر
فانتشيت..
و أخذت أبحث فى المدى
و على مدارات الفضا..
بين الروابى و القمم..
أو بين أصداف البحار
و فى المحار عن الشذا..
حتى وجدت ..حديقة
رقصت بها الآضواء
و ازدحمت بأنواع النغم
أنفاسها خمر معتقة
توزع من بريق عيونها الكحلاء
ألاف الوعود
و عطورها نغم من الملكوت
تسكر من بدائعة الورود
و مياهها من كوثر الفردوس
صافية تبوح بسرها المكنون
سحراً فى تراتيل القلم
فسكرت من خمر الورود..
و ذهلت من عزف القدود..
و طربت من ألحانها..
و من الجمال يتية فى أرجائها..
و من انبهارى باكتمال سماتها
أيقنت أنى لا محالة
غارق فيما رأيت..
عانقت أحلام المنى
فوجدت باباً مغلقاً
فطرقتةُ..و طرقتةُ..
متوسلا لحماتة
كلت يداى و لم أنل شرف الدخول
فمضيت أبحث فى خيالى
عن سبيل للصعود
متسلقا أسوارها
لكن..رماة نبالها
ألقوا جيوشا من سهام
صرعت مخيلتى و أنهت عنوة
فى لحظة التحقيق آمال الوصول
فانهرت من آلامها
و على جدار عيونها أسندت رأسى..
و ارتميت..
لعب الآريج بنشوتى
فرأيت من خلف الضباب
مجنحا فدعوتة..
صهل الجواد توددا
و أتى الى محمحما
فركبت فوق جناحة
حتى استويت..
طار الجواد..محلقا..
متراقصا ..و اجتاز أسوار العصور
و وجدتنى متمتعا بالحسن
ألهو بين أسراب الطيور
و على بساط العشب
أحتضن الزهور..
فطفقت أنهل من لمى نوارها
و فتحت عينى باحثا
عن سر أنفاس العطور
فرأيت آلاف الحراب
تحوطنى
جيشا من الحراس ينزع قشرتى..
و يهزنى..
يلقى علىَ كبيرهم..
سيلا شديدا من لهيب الأسئلة
فيم التسلل خفية؟
و لم التلصص و الصعود؟
و من الذى غذَى المنى؟
أو كيف واتتنى الشجاعة..
لاجتياز حصونها؟
أو ما دريت بأنها مسحورة؟
و بأن من عشق الجمال
سيكتوى بين الطقوس الهائلة..
و حديقة الأنغام ليست للرعاع
ولا سماطاً للجياع..
ليست لمن فقد النهى مأوى و بيت..
لكنها..حرز تحصن بالقيود
و تطلمست بالسحر من عيون الحسود
حراسها..أفعى..و تنينَ..
و مسخُ كالقرود..
و سياجها..جان ترابط كالأسود
و على الطريق لقصرها
نصبت من الأشواك آلاف السدود
لتذود عن أفلاكها
كل الذين تطلعوا
طمعا لطيب جمالها..
و تردهم بالبأس عن ماء الخدود
و غصونها..
ناىُ..و قيثارُ..و عودُ..
و اذا هوت يوما بليغا
مخلصا فى حبها
ألقت إلية عبيرها
و دنت تسخر عطرها
و تذوب الشهد المصفى من خمور جمالها..
و على بساط الأنسِ فوق بلاطها
ذبحت جموع الهائمين
بحسنها قربا إلية..
فأجببتهم همساً..بأنى عاشق..
يهمى و يصدح بالغرام..
فسمعت تغريد النسيم
ينساب من بين الغمام..
و رأيتها..رأى العيان
فعزفت عن لغو الكلام
متأهبا للموت فى احضانها
أريق كاسات المعانى
فوق سحر رموشها
أبنى من الإحساس تاجا
من بنات عطورها
و وهبتها عمراً..و قلباً مغرماًًً..
يشدو و يسبح فى سنا أنوارها
فرنت الىِ..و أومأت..
قمٌ..يا فتى..إنى اصطفيتك
بالهوى و بعثت عطرى
كى يقود خطاك نحوىِ بالشذا
و دنوت منك
لعلَنى أحميك من نار الضنى
فسكرت من همساتها..
و شربت من أنفاسها..
حتى رأيت بأنَنى من بين آلاف الأحبَة
تنحنى لبنانها..
أسلمت نفسى طائعاً لمرادها
و أخذت أقطف من شفاة حروفها
و أردد الأنغام بوحاً سائغاً فى حبها
أشدو بما تملى علىِ..

الثورة التونسية و غياب الديمقراطية



جاءت ثورة تونس لتثبت او بالاحرى لتذكرنا بما قد عرفة العالم كلة و صدقة و طبقة فى دساتيرة و قوانينة ,انها الديمقراطية يا سادة ,انها اللفظة السحرية ذات التاثير الرائع ,انها ما قاتل من اجلها الشعوب و ناضل من اجلها الابطال.


ها هى الثورة التونسية تذكرنا بالفرق بين حاكم من الشعب و للشعب و حاكم من العسكر و للمحاسيب.

تضع امام اعيننا الاختلاف بين حاكم لا ينام خائف من شعبة و من فساد حاشيتة و زبانيتة و جلادية يخشى ان يغمض عيناة فيجد نفسة فى الصباح مشنوقا ,و بين حاكم يخاف الا يرضى عنة شعبة و كل ما يخشاة هو مشاكلهم و احلامهم .

حكم الرئيس زين العابدين بن على تونس بانقلاب و وصل مدة حكمة ل 23 عام ,جاثم فوق صدور الشعب التونسى بالقمع و التزوير و كبت الحريات نظام بوليسى قمعى فاسد كما هو الحال فى معظم البلدان العربية .

نظام لم يعرف الا المحاسيب و ابناء العائلة فوق الشعب ,يمتصون رحيق الدولة و يكونون ثروات طائلة بينما يعانى الشعب من فقر و بطالة .

نظام يجلد شعبة و يعتقلة و يتعامل مع على انهم كائنات حقيرة لا يجب لها الا ان تطيع فقط.

نظام ليست لدية اى شرعية الا قوتة و قدرتة على اقتناص الحكم و ضرب المعارضين بالنعال ,شريعتة شريعة الغاب يفتقر إلى العدل .

النظام الديمقراطى يصل فية الحاكم الى سدة الحكم بالسلم لا انقلابات ولا قتل فقط رغبة المواطنين هى التى تحمله الى الحكم و فقط هى من تنزلة من فوق الحكم.
النظام الديمقراطى لا يخاف فية الحاكم ممن حولة فهم ايضا فى اماكنهم برضا من الشعب .
النظام الديمقراطى لا يحكم فية حاكم مدى الحياة .
النظام الديمقراطى يكون فية فصل بين السلطات الثلاث .
النظام الديمقراطى يمتلك برلمانات قوية تراقب و تحاسب و تشرع لمصلحة شعبها لا لمصلحة الرئيس و ابن الرئيس و وزوجة الرئيس و صهر الرئيس.
النظام الديمقراطى لا يعرف الا امن الوطن ولا يختصر الوطن فى الرئيس و سلامة الرئيس فكم اوطان احترقت و تم التضحية بها من اجل الرئيس.

النظام اللاديمقراطى هش فلا يوجد معة الا الجلادين و قد كان النظام التونسى المقبور كذلك نظام هش حرقة العظيم محمد البوعزيزى قبل حتى ان يحترق هو و يموت احتجاجا على الاوضاع احتجاجا على ان يعيش هو فى بطالة و فقر بينما يعيش الرئيس فى القصور ذات الاسوار العالية.

فهلا فهم كل الحكام و الانظمة العربية رؤسائهم و ملوكهم و امرائهم جمهوريات و ممالك و امارت ان محاولاتهم لكبت شعوبهم سوف تنتهى مثلما حدث فى تونس سواء عاجلا ام اجلا.

فلا محاولات كسب رضا الباب العالى الامريكى او الشريك الاسرائيلى سوف تبقى ,فلا يبقى الا الشعب و ارادتة.

الديمقراطية هى الحل.

الحركة الصهيونية قبل هرتزل


رغم تعدد الاراء و تباين الاتجاهات حول نشأة الصهيونية و تطورها,فهى حركة حديثة اروبية الاصول و النشأة ,و عاصرت عهود الاستعمار و الاستغلال الحديثة.و فى بعض الفقرات البصيرة عن موقف اليهود خلال العصور يقول ليونارد شتاين:
"فلسطين هذة التى كانو (اى اليهود)يحلمون بها كانت قد تنحت لدى معظمهم عن ان تكون فلسطين الواقع المجسد.فكانوا لا يعرفون عن موقعها الجغرافى او عن شكلها المادى الا اقل القليل او لا شىء على الاطلاق.اذ لم تكن تربطهم بها رابطة من العواطف و المشاعر الشخصية,ولا تراود مخيلاتهم ذكريات عن مشاهد او عن اصوات فيها.انها ليست فى الواقع الا فكرة مجردة.و سوف تكون عودة المنفيين عودة بالمعنى الحرفى لهذة الكلمة,بكل تاكيد.بيد انها لن تتحقق نتيجة للجهد الانسانى,ستتحقق حين يشاء اللة لها ان تتحقق مع ظهور المسيح من جديد."

و يشير النص صراحة الى ان صرخة اليهود من اجل فلسطين كانت حتى بداية القرن التاسع عشر صرخة دينية بحتة,فلم يفكر اليهود فى اى يوم من الايام بانهم سيحلون فى فلسطين الا حين يجىء اليوم الذى ينتهى فية الزمن فيعيدهم المسيح الى فلسطين.

و لقد صورت الصهيونية اليهود على انهم شعب فلسطين الاصيل,و ادعت ان الدولة اليهودية القديمة صبغت البلاد بالطابع اليهودى فى العقيدة الدينية و التاريخ و اللغة و الحضارة,و اذا كان اليهود قد نفوا"عنوة"من فلسطين فقد ظل لهم كيان بقى فيها "البيشوف".و لم يرد اى ذكر لفلسطين فى اعلان قيام اسرائيل "ارض اسرائيل"اظهار لدور اليهود الرئيسى فى تاريخ البلاد.لكن الحقائق التاريخية تدحض المزاعم الصهيونية فى وجود حق تاريخى لليهود فى فلسطين و تنفى عنهم استمرار بقائهم و انتسابهم الى الشعب الفلسطينى الذى تاكدت عروبتة منذ قرون طويلة.

ان العبريين الاوائل لم يكونو اصلا فى فلسطين و ان كانو قد تمكنوا من اقامة دويلة لهم فى الجزء الداخلى الفقير منها ,ولكنها كانت حدثا طارئا فى تاريخ البلاد,اذ سرعان ما اندثرت مثل غيرها من الامارات القديمة دون ان تترك اثرا يعتد بة لا فى تاريخ فلسطين ولا فى حضارتها,و اذا كان اعلان قيام اسرائيل لا يعترف الا "بارض اسرائيل"على انها اقدم تسمية للبلاد فان فى ذلك مغالطة تاريخية كبيرة تدحضها توراة اليهود انفسهم اذ ذكرت "ارض كنعان"و"ارض الفلسطنيين"على انهما اقدم تسميتين كانتا قائمتين قبل هجرة العبريين ولازمتا اقامتهم فيها,و استمرتا بعد زوال الدولة اليهودية القديمة.

و يتضح كذلك ان الاغلبية الكبرى من اليهود قد هاجرت باختيارها من فلسطيين قبل حكم الرومان لها ,كما ان ظروف فلسطيين و توالى المغيرين عليها جعلتها فى شكل حضارى متغير المظاهر,و لكن بعد القرن السابع  استقر لفلسطين طابعها العربى اجتماعيا و ثقافيا و دينيا,و لم تختلف فى ذلك عن اى قطر عربى اخر,و الاقلية البالغة الضالة التى هاجرت الى فلسطيين فى العصور الحديثة قد لاذت اليها هروبا من الاضطهاد الاروبى ,و غلبت عليها صفة الانزواء,و تعيش حياتها الدينية ,و لم تشارك الشعب الفلسطينى المضيف فى حياتة الاقتصادية او السياسية,انما عاشت عالة على شعوبها الاصلية التى انتمت اليها و حملت جنسيتها و تمسكت بلغتها,و تلقت منها اعانات عرفت باسم "حالوقاة".و ان العقيدة الدينية التى كانت الرباط الوحيد الذى جمع بين المهاجرين و اليهود,عرفت الفرق و الخلافات المذهبية و لم يجمع بينها الا التأثر بمظاهر الحضارة العربية فى اللغة و العادات و اسلوب الحياة الاجتماعية.و بناء على ذلك لم يجرؤ احد من مفكرى الصهيونية حتى اليوم على الزعم بان الحركة الصهيونية التى فجرت كل تلك التطاحنات الدامية فى الشرق العربى,طوال اكثر من نصف قرن,كانت نابعة من تطور داخلى فى فلسطين او فى البلاد العربية,او ان الفكرة الصهيونية الحديثة كانت تعبيرا عن احتياجات طبيعية للطائفة اليهودية فى هذة البلاد او استجابة خاصة لاوضاعهم.

لقد ظهرت اول دعوة علنية لانشاء وطن لليهود على لسان يهودى انجليزى يدعى "هنرى فنش",فى كتاب نشرة فى انجلترا فى مطلع القرن السابع عشر بعنوان "نداء اليهود"لكن الفكرة لم تترد اصداؤها حتى اطل القرن التاسع عشر على العالم بمبادىء الحرية التى اكدتها الثورة الفرنسية ,فتحرير اليهود فى غرب اروباء قد ساعد على ظهور بعض الشخصيات التى دافعت عن الجماعات اليهودية و عن تحسين احوالهم فى اروباء,و مع تكوين القوميات الحديثة فى اروباء فى القرن التاسع عشر,نشط بعض اليهود فى الترويج بان اليهودية دين و قومية,و يعتقد البعض ان حملة بونابرت على مصر فى عام 1798 كانت فاتحة التطلع الصهيونى نحو استعمار فلسطين,و يستندون فى ذلك على الرواية الشائعة بان بونابرت قد اصدر عام 1799 بيانا رسميا يدعو فية يهود اسيا و افريقيا ان يهرعو تحت رايتة الى دخول اورشليم و اعادة بناء الهيكل,و لكن مهما قيل بشان هذا النداء و انعدام اثرة من الناحية الفعلية,فقد ظلت الدعاية اليهودية تشير الية بمثابة الاعتراف الاوروبى بحقوق اليهود فى الارض المقدسة,و بداية تعاون الحكومات الاوروبية و اليهود على حساب العرب.

و فى خلال القرن التاسع عشر دعا عدد من ساسة الانجليز و قسيسهم و كتابهم الى تبنى فكرة الوطن اليهودى فى فلسطين,فلقد اخذ اليهود منذ طردهم بالجملة من بريطانيا عام 1290,يفدون اليها بالجملة مرة اخرى على عهد كرمويل عام 1650,ورحلت افواج اخرى من اليهود الذين تكتلو فى فرنسا و الاراضى المنخفضة [بعد اقصائهم و تشريدهم من اسبانيا و البرتغال عام 1492]الى انجلترا مرة اخرى ,اثر عودة الملكية فى فرنسا فى اعقاب الثورة الفرنسية,و امتهان اليهود فيها مرة اخرى,وازدادت اعداد اليهود فى انجلترا اثر الاظطهاد الروسى و قيام الجمعيات الانجليزية-اليهودية بالقيام على استقبالهم و توطيدهم فى بريطانيا او تهجيرهم الى الارجنتين و غيرها من البلاد الامريكية برعاية اللورد دى روتشيلد و السير موسى دى منتفيورى,و فى العقد الثالث من القرن التاسع عشر قام صراع داخل الراى العام البريطانى ازاء مطالبة اليهود بالتجنس و رغبتهم فى استصدار القوانين من اجل التساوى فى الحقوق السياسية و المدنية بابناء البلاد الاصليين.

و فى عام 1830,قدم البرلمان البريطانى مشروع بخصوص مطالب اليهود المدنية و السياسية و وافق على المشروع مجلس العموم,ورفضة مجلس اللوردات مرتين على التوالى عام 1833و عام1834,و على الرغم من ان اليهود قد استطاعو ان يحصلوا على حق تولى عمادة المدن و ممارسة اعمال البلديات بمقتضى قانون عام 1835(Sheriff,s Declara-tion).
فقد ظل مجلس اللوردات البريطانى يعارض استصدار القوانين الخاصة بالحقوق و الوظائف السياسية الكبرى حتى عام 1846,اذ ان يهود بريطانيا قد شددو من حملتهم بزعامة الثورى اليهودى موسى منتفيورى عمدة لندن السابق و حامى يهود الشرق المعروف,
اثر تولى الملكة فيكتوريا العرش عام 1837,و قد اشيع فى ذلك الوقت ان الملكة فيكتوريا كانت تمالىء اليهود لانها تمت نسبها الى اسرة يهودية, فلقد نشرت مجلة (Black and White)فى عام 1901 ان دوقة كنت ام الملكة فيكتوريا تنتمى بامها الى اسرة يهودية باسم
(Sealafeld)فى منطقة ساكس.
و ان ملامح الملك ادوارد كانت تشهد باصلة اليهودى,و هكذا استطاع موسى منتفيورى بتاثير نفوذة و نفوذ الملكة فيكتوريا,ان يحصل لليهود على المساواة فى الحقوق و الوظائف السياسية,ما عدا مناصب معينة كمنصب وزير المالية و منصب نائب الملك فى المستعمرات.

و بهذا امكن للبارون ليونيل دى روتشيلد ان ينتخب عضوا بمجلس العموم عام 1847,فاثار ذلك ثائرة مجلس اللوردات اذ لا يستطيع هذا اليهودى ان يقسم اليمين المعتاد,و صاح فى هذا الصدد اعضاء مجلس اللوردات صيحتهم المشهورة (No Jews).
و طالبوا بالغاء الحقوق اللائحية السابقة مرة اخرى عام 1848,حتى تكمن رئيس الوزراء اللورد جون رسل من التدخل لانقاذ صديقة ليونيل دى روتشيلد و اجيز لعضو البرلمان اليهودى ان يقسم اليمين على العهد القديم عام 1851.

و منذ مطلع الاربعينات من القرن التاسع عشر حتى وفاتة عام 1885, بذل منتفيورى اقصى الجهود لتحسين اوضاع المستوطنات اليهودية الاولى بفلسطين و استطاع من خلال زياراتة المتعددة لفلسطين اثارة مزيد من الاهتمام بالمستوطنات اليهودية الصغيرة فى اوساط اوروباء الغربية,و الواقع ان بريطانيا هى التى بدت على نحو منظم فى بسط حمايتها على الطائفة اليهودية فى فلسطين,و يحدد هذا الاتجاة الاهداف التى انشاء بامستون من اجلها قنصلية بريطانية فى القدس عام 1838, و لقد كافح فى سبيل تحقيق ذلك طويلا الايرل شافتزيرى (لورد اشلى فيما بعد ),الذى اخذ على عاتقة مهمة اقناع بامستون فى ضوء الاعتقاد الدينى بوجوب عودة اليهود الى فلسطين,فتقدم بمشروعة فى هذا الشان الى بامستون للمرة الاخيرة فى صيف عام 1838,فلاقت الفكرة حينذاك تاييدا من وزير الخارجية البريطانى.
و كان شافتزيرى مقتنعا بان "اعادة توطين اليهود فى فلسطين لن تنطوى على حسنات للشعب اليهودى فحسب,بل للسلطان ايضا حيث يمكنة الاعتماد على ولاء رعاياة الجدد الذين سةف يعيدون فى الوقت نفسة اقليما مهجورا الى سابق عهدة فى الرخاء و الازدهار".

و عندما كانت الدول الكبرى عاقدة العزم على ارغام محمد على للتخلى عن سورية,لكنها ما برحت غير واثقة بشان مستقبلها,جرت مناقشة المشروع الرامى الى خلق كومنولث يهودى فى النصف الجنوبى من البلاد-اى فوق المساحة التى شغلتها فلسطين التوراة,و يعود السبب فى ان هذة المشروعات لم تسفر عن شى الى ان اليهود الاوروبيين الغربيين يخوضون بالدرجة الاولى كفاح تحريرهم و الاندماج الذى نتج عن هذا التحرر ,فلم يروا اهمية او صلة وثيقة"لانشاء امة يهودية من جديد بالمعنى السياسى".

و قد حدد بامستون اهداف تلك القنصلية فى رسائلة المتتابعة وقتذاك(1840-1841)الى القنصل وليم يونج,اول قنصل لبريطانيا فى القدس و الى سفيرة فى استانبول بونسنبى,و الى قناصل بريطانيا فى غرب اوروباء,بتامين حماية اليهود و ارسال التقارير عنهم,لان الوقت قد حان لتحقيق عودتهم الى فلسطين حتى يصبحوا سدا فى وجة اية رغبات شريرة لمحمد على او خليفتة فى المستقبل.

و اشتدت الحملة الصحفية لتاييد هذة السياسة اثر الضجة التى اصطنعها يهود دمشق فى فبراير عام 1840 بعد اتهامهم بخطف الاب الفرنسسكانى توما و ذبحة ليعجنوا بدمة خبز عيد الفصح,و كانت الدول الاوروبية تتحين الفرص للايقاع بمحمد على,و تحطيم امبراطوريتة التى كونها فى مصر و الشام و السودان و الحجاز,و قام ادولف كريميية المحامى و زعيم اليهود فى فرنسا,يحرك الراى العام الاوروبى بالصحافة و الدعاية التى تولتها الجهات اليهودية فى الغرب,و رفع قضية على محمد على يتهمة فيها بالمسؤولية عن ضحايا هذة الفتنة من اليهود, و دعا الانجليز بين يهود و مسيحيين انجليين الى اجتماع فى لندن لتاييد الشعور بالمسؤولية المشتركة تجاة الشعب اليهودى و امانية فى العودة الى فلسطين,و قرروا ارسال بعثة تحقيق يهودية الى الشرق الادنى برئاسة موسى منتفيورى و ادولف كريميية,و وصل مبعوثا اليهود الى الاسكندرية عام 1840 و قابلا محمد على,ثم قاما بزيارة فلسطين حيث قررا اقامة مدرسة زراعة باسم "مقوية يسرائيل"اى "امل اسرائيل",الى جنوب شرق يافا , و مهمتها تخريج مهندسين زراعيين يهود,لاستصلاح الاراضى و تمليكها لليهود.

و قد رحل المبعوثان اثر ذلك الى استانبول,حيث مكث موسى منتفيورى طويلا الى ان استرد الباب العالى سورية و فلسطين,محاولا شراء رضا الباب العالى لتاسيس مستعمرات يهودية فى فلسطين,غير ان السلطان عبد المجيد لم يسمح الا باصدار فرمان عام 1840 بشان الاعتراف لليهود بحق ممارسة شعائرهم الدينية و مساواتهم مع غيرهم من مواطنى السلطنة فى الحقوق المقررة بخط كلخانة.

و فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر,توالت كتابات جديدة تشرح اهمية الاراضى المقدسة الاستراتيجية و السياسية فى ضوء الصراع الدولى حولها,و تعددت مشروعات اعادة توطين اليهود فى فلسطين من انجليز,وفرنسيين,وايطاليين,والمان,وروس,وامريكان فى بعض الاحيان,سواء ذلك اكانو بروتستانت او كاثوليك او اطهارا,غير ان المشروعات البريطانية فى هذا الصدد كانت اكثر عداد,و اكثر اضافة فى التعبير عن الاهمية السياسية و الاستراتجية للاراضى المقدسة,فقد ارسل الكولونيل تشرشل,قنصل بريطانيا فى بيروت على عهد محمد على,يقترح على مجلس ممثلى اليهود فى انجلترا تاسيس وطن قومى لهم فى فلسطين من اجل وضع حد للاوضاع غير المستقرة حينذاك,و تردد لدى الكولونيل جورج جاولر حاكم جنوب استراليا السابق,راى مماثل نشرة عام 1845 بان استقرار الاوضاع فى اسيا العثمانية لن يتحقق الا بانشاء مستعمرات لليهود فى المنطقة.

و توالت اثر ذلك كتابات ادوراد كازليت,و لورنس اوليفانت,و ايرل شافتزيرى,و كتب شافتزيرى فى عام 1876 عن الصهيونية ابرز فية دور الاراضى المقدسة مستقبلا فى التجارة العالمية,و اكد اهمية العنصر اليهودى فى جعلها مركز لهذة التجارة,ثم اضاف"و مما لا شك فية ان استيلاء اى من منافسى انجلترا او فرنسا او روسيا,على سورية سيكون ضربة قاضية لانجلترا,فامبراطوريتها التى تمتد من كندا فى الغرب الى كلتكا و استراليا فى الجنوب الشرقى,سوف تنفصم عراها و تنقسم قسمين..و من ثم يجب على بريطانيا ان تبقى على سورية لنفسها,و ان يصبح على بريطانيا بدافع العوامل السياسية ان تؤيد اليهود و تؤكد قوميتهم كلما سنحت الفرصة لعودتهم عن طريق اقامة دولتهم القديمة,فانجلترا هى اكبر دولة تجارية و بحرية فى العالم و كذلك يقع على عاتقها مهمة تاييد توطين اليهود فى فلسطين".

كانت هذة الافكار-على اية حال-مقدمة للصهيونية السياسية,فقد شهد النصف الثانى من القرن التاسع عشر نشوء المفاهيم الرومانتيكية من اجتماعية و سياسية داخل الفكر اليهودى,و رغم استمرار فئة كبيرة العدد من اليهود على تعلقها بفكرة التحرر و الاندماج الكامل فى بلدان "الشتات",فقد بدات تصاغ ايديولوجية جديدة صارت تعرف فيما بعد بالصهيونية,و هى نسبة الى "صهيون" التى اطلقت اصلا على احد جبال القدس,و تعكس حياة اليهودى الالمانى موسى هيس و اعمالة التحول و الانتقال من الاندماجية الى الحركة الصهيونية ففى عام1862 اصدر كتابة عن "روما و القدس" و فية بسط افكارة على نحو منظم,و يعتبر الكتاب من المصادر الاساسية فى الفكر الصهيونى الحديث,قال هيس ان اليهود شعب صنع التاريخ و هم مدعوون مصيريا لتحويل العالم و سبب ذلك انهم دون سواهم قد حققوا فى حياتهم القومية الذاتية مبدا الوحدة بين الدائرتين الروحية و المادية,و حث اليهود على اعادة بناء حياتهم القومية بفلسطين,و اضاف ان تطوير حركة قومية يهودية  لا يشكل المفتاح الجوهرى لمستقبل اليهود فحسب,بل لمستقبل البشرية جمعاء,حقيقة ظل هيس مفكرا منعزلا نسبيا فى الحياة اليهودية لعصرة,لكن الاجيال اللاحقة من اليهود الذين حولوا الصهيونية الى حركة رجعت الى افكارة و اتخذت منها اساسا لعقيدتها الجديدة.

و عندما اضطرت اعداد ضخمة من اليهود الى النزوح عن روسيا على اثر المجازر التى وقعت ضدهم فى اعقاب اغتيال القيصر الروسى الكسندر الثانى عام 1882,انهارت بذلك حركة الهسكالا(التى دعت الى اندماج اليهود فى المحيطات التى عاشوا فيها )انهيار تاما و حلت محلها حركة "احياء صهيون" التى بدات بالدعوة الى احياء اللغة العبرية عوضا عن البديشية,و اصبحت حركة احياء صهيون تحت زعامة اليهودى الروسى ليو بنسكر,و قد حلل بنسكر مشكلة اليهود فى كتاب نشرة عام 1882بعنوان "التحرير الذاتى"و وصف فية المشكلة بانها ماساة العصر الحديث ,و ذهب الى ضرورة انتقال يهود العالم برمتهم الى بقعة واحدة من الارض تكون لهم وطنا و فيها يؤسسون دولتهم, و انتهى الى ان "العالم يحتقر اليهود لانهم ليسوا امة ولانهم اجانب فى كل بلد يعيشون فية و العلاج الناجح لهذا الداء المستعصى هو ايجاد قومية يهودية لشعب يعيش فى ارض الوطن".

و ترك بنسكر المكان المفضل لاقامة اليهود لاختيار الخبراء,لكنة دعا الى عقد مؤتمر قومى و تكوين شركة للاستعمار و الدعوة الى التبرع و البحث عن مكان و محاولة الحصول على ضمان دولى,و لما كانت رسالة اليهود تخليص اليهود من "منافهم" و وضع حد لتشردهم المستمر,فقد اخذ زعماء الصهيونية يعملون على تنمية روح العداء للسامية فى المجتمع الاوروبى المسيحى دفعا باليهود الى الهجرة الى فلسطين و التدليل على تفاقم المشكلة اليهودية,و حلها لا يكون الا بخروج اليهود و تاسيس دولة خاصة بهم.

سعدُ زغلول


* زعيم و ثائر مصري *


ما أصعب أن تختار شخص مصري عظيم لتتحدث عنه حتي تجد نفسك و قد وقعت فى حيرة كبيرة من أمرك ، فمصر دائما و أبداً على مر العصور و مختلف صفحات التاريخ تمتليء بشخصيات عظام أثروا الحياه و التاريخ المصري ، و سطروا أمجاد لا ينساها الدهر ولا ينكرها إلا جاحد ، فثروة مصر في أبنائها و شعبها المكافح ، فالبرغم من أن مصر تمتلك ثروات طبيعيه إلا أن الإنسان المصري الذي بني الأهرامات و شيد أول حضاره بشريه سجلها التاريخ و لم يعرف أسرارها ، يبقي هو الأمل الحقيقي لهذا الوطن ، فمهما اشتدت الأمواج و تعاصفت الرياح يبقي هو سفينه النجاه و حصن الحياه و أتذكر هنا كلمات شاعرنا العظيم حافظ إبراهيم عندما قال:
"وقَف الخَلْقُ يَنظُرونَ جميعاً ...كيف أَبْنِي قَواعِدَ المَجْدِ وَحْدِي
وبُناةُ الأهرامِ في سالِف الدَّهرِ... كَفَوْنِي الكلامَ عِندَ التَّحَدِّي
أنا تاجُ العَلاءِ في مَفْرَقِ الشَّرقِ... ودُرَّاتُهُ فَرَائِطُ عِقْدي
إنَّ مَجدِي في الأُولَيَاتِ عَريقٌ ...مَن لَهُ مِثلُ أُولَيَاتِي ومَجدِي".

و فى هذا الوقت العصيب  الذى تتعرض فيه مدنيه الدوله و وحدة أبنائها و أمنها القومى لضغوط خبيثه و خطيره ، و من موقعي  كمواطن مصري أولا و أخيراً و ما يلزمه عليِ ضميري من أن أشارك و لو بجزء قليل ، بمقال قد لا يقرأءه إلا اثنان أو ثلاثه أشخاص و يرضيني إذا فقط نجحت في أن أحدث تأثيرا فيهم ، فنعيد قراءه تراث و تاريخ  رجل قد أعطي إلي مصر كثيراً فلعل سيرة الرجل تُهدينا إلي فتح أفق جديد في التفكير بهموم وطننا و محاوله أن نجد لها مخرجا ، فما أشبه الليله بالبارحه ،
فأخرجت قلمي من مكمنه و أزحت ذرات التراب من فوق الكتب و ها أنا ذا أستعيد ذاكرة التاريخ ، و أنقل لكم صفحات مضيئه من تاريخنا و أنتقل بكم لحضرة شخصيه مصريه عظيمه ، هو زعيم الامه و الرجل الذى تحدي المرض و المحتل ليبث فينا روحه الوطنيه الشابه التى لم تشيب يوما مع مرور الزمن .

                                                                                                
*سعد زغلول النشأة و التكوين.

وُلد سعد إبراهيم زغلول في سنةِ 1859 ، بقرية "إبيانه"مركز "فوه"و هي بلده تتأرجح بين أن تصنف كقريه صغيره أو كمدينه كبيره و هي تابعه لمحافظة "كفر الشيخ"التي تقع في دلتا مصر شمالاُ.

لاشك في أن الأسره هي الخليه الأولي للمجتمع و أهم جماعاته الأوليه ، فهي نسق اجتماعي رئيسي و مصدر الأخلاق و الدعامه الأولي لظبط السلوك و الأطار الذى يتلقي فيه الأنسان أولي دروس الحياه الأجتماعيه و هي التي تؤهل الفرد من كائن بيولوجي إلي مخلوق اجتماعي يعيش في انسجام مع الأخرين وفقا للقيم و المعايير القائمه في المجتمع.

و بالعوده إلي أسره "سعد زغلول" و بتتبعنا إلي أحداثها نكتشف كم أثرت في نشأه " سعد زغلول" و تكوينه فنجد مثلا أن والد " سعد زغلول" قد تشاجر مع ناظر القسم التركي الذي أهانه و أستخف به و هو يمر بأرضه ، فما كان من الشيخ " إبراهيم زغلول" إلا أن رفض الأهانه و أسقط الناظر التركي من على جواده و أوسعه ضربا دون أدنى اعتبار لما يمكن لهذا الحدث أن يأتي عليه و علي أسرته بعواقب وخيمه فلم يكن أحد يجرؤ أن يرفع عينه في عين ناظر القسم ، و لكن كرامة الشيخ لديه كانت أغلي من حياته ، كما أن صهره الشيخ "عبدالله افندي بركات" قد افتداه لدي الناظر بمبلغ من المال.

و تشأء الأقدار أن يُحرم " سعد " من والده مبكراُ و كان عمره وقتها خمس سنوات و لكن والدته التي كان عمرها حوالي الثلاثة و العشرين ترفض الزواج رفضا قاطعاً و تقول لمن تقدموا لخطبتها:لقد أصبحت اليوم أُما و أُبا في وقت واحد ، و قد كانت لحكمه هذه الأم رغم أنها لم تكن تقرأ أو تكتب  أثُر في أن تكون مركزاً للرأي و المشوره بين أفراد الأسره يرجعون إليها رغم أنها أصغر سنا من بعضهم ، و قد كان " لسعد " ثلاتة أشقاء و ستة أخوه له من أبيه ، و قد كان " سعد " يعبر دائما عن امتزاج صفات والديه في شخصيته بقوله "إن خُلق والدي هو الذي يتجلي فيِ حينما أقدم و أثور ، أما المرحومه أمي فقد عرفت بين أهلها بالحكمه و الدهاء و القدره علي ظبط النفس ، فكانوا يحتكمون إليها فيما بينهم من خلاف و يرجعون إليها في القضايا و المشاكل ، فذاك هو خُلُق و الدتي الذي يتجلي في عندما ترونني أُشير بالتريث و الأناه".
                                                                                                  
و قد ذهب " سعد " إلي كٌتاب القريه و تعلم القراءه و الكتابه خلال خمس سنوات ، ثم أنتقل سعد مع أخوه إلي " دسوق " و دخل الجامع " الدسوقي "لٌيتم تجويد القرآن و عمره اثنتا عشرة سنه ، ثم اتخذ طريقه إلي الأزهر و هو في الخامسة عشرة من عمره ، و قد كان سعد محظوظا أثناء دراسته بالأزهر فقد تتلمذ علي أيدي كبار الشيوخ مثل الأمام الٌمصلح الشيخ " محمد عبده " ، يذكر فضل الازهر عليه في خطبه ألقاها بالأزهر بعد عودته من أوربا 1921:
"جئتٌ اليوم لأؤدي في هذا المكان الشريف فرض صلاة الجمعه ، و أقدم واجبات الاحترام لمكان نشأتٌ فيه ، و كان له فضل كبير في النهضه الحاضره ، تلقيٌت فيه مبادىء الإستقلال ، لأن طريقته في التعليم تربي ملكة الاستقلال في النفوس ، فالتلميذ يختار شيخه ، و الأستاذ يتأهل للتدريس بشهاده من التلاميذ الذين كانوا يلتفون حول كل نابغ فيه و متأهل له:يوجه إليه كل منهم الأسئله التي يراها ، فإن أجاب الأستاذ و خرج التلميذ ناجحاً من هذا الامتحان كان أهلاً لأن يجلس مجلس التدريس ، وهذه الطريقه في الاستقلال التي تسمي الآن خللاً في النظام جعلتني أتحول من (مالكي)إلي (شافعي) ، حيث وجدتُ علماء الشافعيه في ذلك الوقت أكفا من غيرهم".

و أيضا كان " سعد " علي اتصال بالُمفكر الثائر" جمال الدين الأفغاني " ، و قد شجع " الأفغاني " " سعد " علي كتابه المقالات في الصحف ، و قد كان " للأفغاني " اثراً كبيراً في نفس " سعد " فقد قال " سعد " إنه عن طريقه استطاع ان يستكشف ذاته و يعبر عنها بالكلمه المسموعه و الكلمه المقرؤءه اي ( خطابه و صحافه ) ، و حين غادر الأفغاني مصر عام 1879 توثقت علاقه سعد بالشيخ " محمد عبده " ، و حين أسندت إلي الإمام جريدة "الوقائع المصريه" عام 1880 فإنه قد استعان " بسعد " و جعله مسؤلاً عن القسم الأدبي بمرتب ثمانية جنيهات مما جعل " سعد " يترك الأزهر قبل الحصول علي شهادته.

*سعد زعلول روح شابه و ثائره.

مع تذمر الأوضاع في مصر بأتت الحاله السياسيه و الشعبيه تنذر بعواقب وخيمه ، خاصة بعد أن نجحت انجلترا في أن تحيك مؤامره خبيثه بمسانده أوربيه و إهمال عثماني للولايات التابعه لها و يرجع ذلك إلي سببين :-
الأول : أن انجلترا كانت فى ذروة قوتها الاستعماريه فهي الامبراطوريه التي لا تغيب عنها الشمس .
                                                                                                
أما السبب الثاني : أن الدوله العثمانيه كانت في أضعف حالاتها فقد كانت الدوله العثمانيه رجل أوربا المريض الذي يجلس الجميع ينتظر إعلان وفاته لتقسيم ميراثه ، خاصه أن الميراث كبير و مطمع لغالبيه الدول الأوربيه التي شهدت في هذه الفتره نشأت كثير من القوميات و نهضه صناعيه جباره فكان البحث عن أسواق جديده هدف لدي كل دوله لتحقيق رواج اقتصادي.

لقد نجح الأنجليز في خلع الخديوي " إسماعيل " بسبب حجه الديون التي لا يستطبع الخديوي تسديدها ، و قد كانت هذه الأفتراءت كأذبه تمام ، فلقد أعد الزعماء الوطنين في هذا الوقت مشروع يكفل ضمان الديون و تسديدها من إيرادات الحكومه المصريه ألا و هو " اللائحه الوطنيه " و كان يتضمن بندين فقط و هما
أولاً : تسويه الديون الأجنبيه ، علي أساس أن الإيرادات تكفي المصروفات و الوفاء بحقوق الأجانب .
ثانياً : تعديل النظام البرلماني و تخويل مجلس شوري النواب السلطات المعمول بها في البرلمانات الحديثه ، و تقرير مبدأ المسؤليه الوزاريه بحيث تكون الحكومه مسؤله أمام المجلس النيابي و ليس الخديوي .

وسط هذا الزخم من جمرة الأحداث قد أزاح السلطان " عبدالحميد " الخديوي       " إسماعيل " من حكم مصر و عين ابنه " محمد توفيق " في حكم مصر ، و قد كان الخديوي " توفيق " أداة طيعه في يد انجلترا و حلفائها الأوربين الذي أرادو وأد أي مشروع نهضوي في مصر ، و قد كان لهذا الفعل رد فعل بالشارع المصري  ، " فسعد زغلول "  قد عبر عن استياءه من استبداد الخديوي الجديد في جريدة " الوقائع المصريه " و تحدث عن رأيه في صورة الحكم فكتب عن الشُوري و ضروره وجود أُناس يتخلقون بمعانيها و يظهرون بمظاهرها ، لكي يمكنهم تقويم الحاكم عند انحرافه عنها و يحضونه علي ملازمتها و يحثونه علي السير في طريقها .

و عند إشتعال شرارة الثوره العرابيه شارك فيها " سعد زغلول " و إستعانت الثوره بخبراته القانونيه التي ظهرت في وظيفته كمحرر " بالوقائع المصريه " ، ناقداً لأحكام المجالس الملغاه و ملخصاً لها و معقباً عليها ، فنقلته حكومه الثوره التي شكلها " محمود سامي البارودي " إلي وظيفة معاون بوزارة الداخليه ، ثم إلي وظيفة ناظر قلم الدعاوي بمديرية الجيزه و ذلك في ديسمبر 1882 ، و في هذه
الوقت ضرب الأسطول الإنجليزي مدينة الإسكندريه و نادي " سعد " بالجهاد
                                                                                                 
الديني ، و قام بنقل الرسائل بين الشيخ " محمد عبده " في " القاهره " و " عرابي " بجبهة القتال ، و في نقل القرارات التي اتخذها الوطنيون لعزل الخديوي ، كما اخذ " سعد " يحرض علي الثوره بمقالاته في بعض الصحف كصحيفة " المفيد " داعياً للتصدي لسلطة الخديوي " توفيق " الذي انحاز للإنجليز ضد وطنه ، و بهزيمة الثوره العرابيه اعتُقل " سعد " ضمن مَنْ اعتقلوا ، و خسر وظيفته و بات موضع شُبهه من حُكام البلاد و محتليها علي السواء ، و حاول العوده إلي وظيفته أو وظيفه غيرها في الحكومه ، لكن كان عليه أن يدفع الثمن من التزلُف إلي العهد الجديد و التنكر لمواقفه و أساتذته و زملائه في ثورة عرابي ، فأبت نفسُه أن تلبس ثوبأ غير ثوبها و أن تبيع قناعاتها من أجل وظيفه ، و لهذا فضل " سعد " أن يعمل عملا حُرا فلم يجد غير المحاماه التي كانت مهنه محتقره في ذلك الوقت .

أما مسيرة " سعد " في مهنة المحاماه فقد كان لجوؤه إلي الصلح وسيله إلي إنهاء الخصومه ، و لذلك لم يكن يضع مقدم أتعاب قضاياه في باب الإيرادات بل يضعها في باب الأمانات إذا تم الصلح أعادها لأصحابها ، و كان يدعو المحامين لأن يجعلوا الصلح سبيلاً حتي لو ضحوا بأتعابهم ، و قد تناول " سعد " ذلك في خطبته في 5 فبراير 1924 في حفل بنقابة المحامين و قال " أذكر أني عندما كنت محامياً ولا أقول ذلك مفاخراً أو مباهاه ، بل حكايه للواقع يسمعها المحامين الذين هم أحدث مني سننا ، ليروا رأيهم في إتباعه ، يأتي موكلي ُمريداً الصلح لخسية خصمه من توكيلي عنه ، فأرحب به و أسهل الأمر عليه بل أرد إليه مقدم الأتعاب التي قبضتها منه ، يجب عليكم أن تساعدوا علي الصلح و لو برد بعض الأتعاب إن لم يكن كلها ، و علي أي حال أرجو أن لا تكون قيمة الأتعاب مانعاً لكم من تحقيق الصلح و السلام ، إني ما كنت أُقيد مقدم الأتعاب في باب الإيرادات ، بل في باب الأمانات ، لأن في نفسي ضعف نفسي ، حتي إذا أراد الموكل الصلح أرد له الأتعاب و أقول له : هذه أمانتك ُردت إليك ، فعليكم أن تتصرفوا في الأمر كما تشاءون ، و قُوا أنفسكم من طمعكم كما ترون هذه نصيحة محامٍ قديم لمحامين محدثين" .

*سعد زغلول علي كرسي الوزاره .

بعد مذبحة دنشواي أدرك الأنجليز أن سياستهم في مصر قد تعجل بخروجهم ، فكان عليهم أن يغيروا من سياستهم تجاه المصريين فحاولوا التقرب من المصريين و التودد إليهم من جديد حتي لا تؤدي المواقف التعنتيه إلي ثوره عارمه من المصريين ، و كانت هذه الرؤيه البريطانيه للوضع في مصر تحتاج إلي الأستعانه بمصريين لهم شعبيه كبيره لدي الجماهير المصريه و قد كان " سعد زغلول " واحداً من الأسماء التي فرضت نفسها علي الساحه الوطنيه المصريه ، فعرض الأنجليز عليه أن يتولي وزارة المعارف مؤيداً بإجماع جميع القوي الوطنيه في ذلك الوقت .

و قد كان التعليم في مصر مهمل منذ زمن بعيد فقد كان باللغة الأنجليزيه كما أن التعليم في مصر لم يكن يخرج إلا الموظفين ، و قد كانت وزارة المعارف يتحكم بها المستشارها الأنجليزى " دنلوب " بينما كان الوزير غير مهتم بها نظراً لانها كانت تتبع وزارة الأشغال ، فكان الرجل الأنجليزي هو المتحكم بوزارة المعارف يتصرف بها كما يشاء وقتما يشاء ، و لم يكن " سعد " بالطبع ليقبل أن يكون مجرد وزير لا حول له ولا قوه في الوزاره فكان الصدام بينه و بين " دنلوب " أمر متوقع و طبيعي و قد أدي هذا الصدام المتكرر و الرغبه الواضحه لدي " سعد " في أن يطور وزارته و يعمل بها وفق خطه وطنيه لتحقيق تقدم بها إلي أن تدخل اللورد
" كرومر" الذي قال " لسعد " :"إن التغير الذي حصل في شخص ناظر المعارف لم يكن يقصد منه تغير طريقة التعليم التي تقررت بإتفاقي مع دنلوب ، و إنما الغرض منه أن يشترك الوطني العارف بالتربيه الإسلاميه المصريه علي إدخال الإصلاح " .

إن كل ما أراده الانجليز هو إصلاح شكلي يكون بمثابة المسكن و المخدر لجراح المصريين من بعض الأفعال الأنجليزه التي لم تكن مدروسه جيداً ، لكن " سعد " بشخصيته العنيده و روحه الثائره لم يكن ليقبل يوما أن يكون جزء في مؤامره انجليزيه باي شكل من الأشكال ، فقد عمل أثناء توليه الوزاره علي التوسع في تعيين المصريين و تقليل تعيين الأنجليز ، و قد عمل " سعد " أيضا علي زيادة مرتبات الموظفين ، كما خاض معركةُ لإعادة التعليم باللغه العربيه ، كما اهتم بمحاربة الأميه فتزايد عدد الكتاتيب في القري الصغيرهو ضاعف الإعانه المخصصه لها .

 و كانت أفعاله قد أغضبت اللورد " كرومر "  بعد أن نجح سعد في تهميش "دنلوب " بالحجه القانونيه مره و الحجه المنطقيه آخري ، فقال له اللورد : " إن دنلوب و إن لم تكن له سلطه ظاهريه يجب أن يكون في الحقيقه ذا سلطه ، و أن ما يحرر في مكتبه من الأمور الخاصه تحديداً بالأنجليز ،يجب أن يؤخذ قضيه مُسلمه " .

و من المواقف الوطنيه " لسعد " و هو في وزارة المعارف يوم خروج طلاُب المدارس في تشيع جنازة " مصطفي كامل " ، غضب " دنلوب " و أراد معاقبة الطلاب ، ففصل بعضهم و حرم البعض الآخر من الامتحانات ، فرفض " سعد " و قال : " إنها غاشيةُ حزن ألمت بالآمه بأسرها فلا يعقل أن ينأي عنها شُبانُ مصريون لمجرد كونهم طلاباً في مدارس أميريه " .

قضي " سعد " أربع سنوات في وزارة المعارف منذ تولي أمورها في 28 أكتوبر 1906 ، محاولاً أن يصلح قدر ما يستطيع رغم الظروف الصعبه التي تقلد فيها الوزاه ، ولا ننسي أيضا إسهامه في بناء الجامعه قبل أن يصبح وزير فقد كان رأس الداعين لإنشاء الجامعه المصريه و تبرع لها بمائة جنيه .

و جاءت الفرصه لإبعاد سعد عن وزارة المعارف بعد اغتيال " بطرس غالي " رئيس الحكومه أوائل 1910 ، و دعوة" محمد سعيد " باشا لتشكيل الوزاره الجديده ، رغم أحقية " سعد " و أقدميته عهداً بالوزاره لكنه لم يكن محبوبا من دار عميد الأحتلال و لا من قصر الخديوي ، و لكنهما اتفقا علي احتماله وزيراً للحقانيه ، التي رأيا فيها قيداًعلي " سعد " و اتقاء لصدماته لان الحقانيه وزارة التشريع و القضاء ، فالتشريع من عمل مجلس الوزراء كله لا وزير الحقانيه وحده و القضاء عمل تتولاه المحاكم لا دخل فيه للوزير إلا الرقابه من بعيد .

لكن " سعد " كان لابد أن يترك أثراً في الموقع الذي يكون أو في المنصب الذي يتقلده فقد بدأ عمله بالحفاظ علي كرامة القاضي و أيضا اهتم بكرامة المحامين فأسس لهم نقابه تحميهم و تصون حقوقهم ، و قد انتصر لحرية الصحافه في ظل وجود (قوانين المطبوعات) فرفض تطبيقه على جريدة " المسامير " عندما طعنت طعناً فاحشاً علي رئيس أمريكا السابق " روزفيلت " عندما امتدح الاحتلال الإنجليزي لمصر، و أيضا حينما أرادت الحكومه إلغاء جريدة " البهلول " بحجة أنها مُضره بالآداب و قف " سعد " معارضاً  للقرار محاولاً تخفيفه ، كما وضع سعد مشروع (المجلس الحسبي) بغرض حفظ أموال القصر و يكون حائلاً دون العبث بها من طغيان القيمين و الأوصياء .

و قد إستقال " سعد " من الوزاره بسبب رفضه محاكمة الزعيم " محمد فريد " بتهمة تحريضه علي الحكومه دون إستشارة سعد بوصفه وزيراً للحقانيه ، و يمتدح هنا " أحمد لطفي السيد " أستاذ الجيل ما قام به " سعد " فيقول : " أنا من الذين ينتصرون لاستقالة الوزراء و الموظفين إذا لم يستطيعوا أن يؤدوا واجبهم ، لأني أعتقد أن الوظيفه مهما يكن نوعها ضريبه علي الموظف لا منحه له ، فإذا عجز لأي سبب عن أن يؤدي إلي أمته أكثر ما يستطيع أداءه من خدمه حقوقها و تحقيق المباديء التي يعتقد صلاحها فالواجب عليه أن يستقيل ، و تكون استقالته مُشرفه لشخصه ، مشرفه لقومه و درساً نافهاً للناس و مثلاً صالحاً للصدق و الإخلاص في خدمة المجموع " ، و يقول عن ما فعله " سعد " بشكل مباشر "إنها استقالته تعتبر استقاله للوزاره " .

*سعد زغلول مفجر الثوره و مؤكد الوحده و قائد مشعل التنوير .

كانت الحرب توشك علي الأنتهاء و كان الجميع يتأهب لكي يتقرر مصير مصر ، فقد تمسكت إنجلترا باحتلال مصر بعد انتصارها في الحرب ،  ففكر بعض المصريين في تكون وفد مصري للسفر لباريس لعرض قضية استقلال مصر علي مؤتمر السلام هناك ، و قد رأي سعد هذه الفرصه المناسبه لعرض مطالب مصر ، و يُلاحظ أن كل من فكروا في تشكيل مثل هذا الوفد قد أجمعوا دون أن يكون هناك اتصال بينهم علي أن يضموا إليهم " سعد زغلول " ، فقد أجمع الجميع علي مكانته و انتهي الأمر بتشكيل وفد مصري واحد يُعبر عن كل طوائف الأمه مسلميها و مسيحييها كما يعبر عن أحزابها القائمه آنذاك و أجمع كل الأعضاء علي اختيار " سعد " رئيساً و تم الاتفاق علي مقابلة المعتمد البريطاني " سير ونجت " ، ثم قابلوا بعدها " حسين رشدي " رئيس الوراء و وزير الداخليه و كان يؤيد مسعاهم ، و اتفقوا علي سفر وفدين : أحدهما رسمي يترأسه "حسين رشدي " و الآخر شعبي برئاسة " سعد زغلول " يساند كل منهما الآخر ، و يبدي المندوب السامي البريطاني دهشته من أن سعد و زوملائه يتحدثون عن أمر أمه بأسرها دون أن يكون لهم صفة التحدث باسمها فيؤكد رئيس الوزراء تمتعهم بهذه الصفه لأن " سعد " هو الوكيل المنتخب للجمعيه التشريعيه و " عبد العزيز فهمي " و " علي شعراوي " عضوان فيها .

أعقب هذه المقابلة تأليف الوفد المصري، وقامت حركة جمع التوكيلات الشهيرة بهدف التأكيد على أن هذا الوفد يمثل الشعب المصري في السعي إلى الحرية. وطالب الوفد بالسفر للمشاركة في مؤتمر الصلح لرفع المطالب المصرية بالاستقلال. وإزاء تمسك الوفد بهذا المطلب، وإزاء تعاطف قطاعات شعبية واسعة مع هذا التحرك، قامت السلطات البريطانية بالقبض على " سعد زعلول " وثلاثة من أعضاء الوفد هم " محمد محمود وحمد الباسل وإسماعيل صدقي " .
ورحّلتهم إلى مالطة في الثامن من مارس عام 1919. وكان ذلك إيذانا بقيام الثورة التي اجتاحت جميع انحاء البلاد، وتصدت لها القوات البريطانية وقوات الأمن المصرية بأقصى درجات العنف.

في اليوم التالي لاعتقال سعد زغلول وأعضاء الوفد، أشعل طلبة الجامعة في القاهرة شرارة التظاهرات وفي غضون يومين، امتد نطاق الاحتجاجات ليشمل جميع الطلبة بما فيهم طلبة الازهر، وبعد أيام قليلة كانت الثورة قد اندلعت في جميع الأنحاء من قرى ومدن. ففي القاهرة قام عمال الترام بإضراب مطالبين بزيادة الأجور وتخفيض ساعات العمل وتخفيف لائحة الجزاءات والحصول على مكافأة لنهاية الخدمة وغيرها من المطالب. وفشلت محاولات السلطات الاستعانة بعمال سابقين لتشغيل الخدمة، وتم شل حركة الترام شللا كاملا تلا ذلك إضراب عمال السكك الحديدية، والذي جاء عقب قيام السلطات البريطانية بإلحاق بعض الجنود للتدريب بورش العنابر في بولاق للحلول محل العمال المصريين في حالة إضرابهم، مما عجّل بقرار العمال بالمشاركة في الأحداث. ولم يكتف هؤلاء بإعلان الإضراب، بل قاموا بإتلاف محولات حركة القطارات وابتكروا عملية قطع خطوط السكك الحديديه – التي أخذها عنهم الفلاحون وأصبحت أهم أسلحة الثورة. وأضرب سائقو التاكسي وعمال البريد والكهرباء والجمارك. تلا ذلك إضراب عمال المطابع وعمال الفنارات والورش الحكوميه ومصلحة الجمارك بالاسكندريه. وكان ملحوظا الارتباط الوثيق بين مشاركة العمال في الحركة وبين المطالب النقابية في العديد من حالات الإضراب، وهو ما حدث على سبيل المثال في حالة إضراب عمال ترام الأسكندريه ومصلحة الجمارك والبريد، حيث سبق الإضراب رفع هؤلاء العمال مطالب بزيادة الأجور وتحسين شروط العمل. ولم تتوقف احتجاجات المدن على التظاهرات وإضرابات العمال، بل قام السكان في الأحياء الفقيره بحفر الخنادق لمواجهة القوات البريطانيه وقوات الشرطه، وقامت الجماهير بالاعتداء على بعض المحلات التجاريه وممتلكات الأجانب وتدمير مركبات الترام.

ولم تكن الحركه في الأقاليم بأقل منها في القاهره والأسكندريه، بل أنها كانت أكثر حده وعنفا. فقامت جماعات الفلاحين بقطع خطوط السكك الحديديه في قري ومدن الوجهين القبلي والبحري، ومهاجمة أقسام البوليس في المدن والتصدي بلا تردد لكل من يحاول الوقوف في وجههم، ففي الحوامديه قامت مجموعة من الفلاحين بمهاجمة خط السكك الحديديه المؤدي إلى معمل تكرير السكر مما أدى إلى توقفه عن العمل وإلى وإضراب عماله، وفي قليوب قام آلاف الفلاحين بتدمير خط السكة الحديد. وفي الرقة والواسطى في الوجه القبلي، قامت جماعات الفلاحين بمهاجمة خطوط السكك الحديديه ونهب القطارات وإحراق محطة السكة الحديد وهاجموا الجنود البريطانيين، وفي منيا القمح أغار الفلاحون من القرى المجاورة على مركز الشرطه وأطلقوا سراح المعتقلين. وفي دمنهور قام الأهالي بالتظاهر وضرب رئيس المدينة بالأحذيه وكادوا يقتلونه عندما وجه لهم الإهانات. وفي الفيوم هاجم البدو القوات البريطاينة وقوات الشرطة عندما اعتدت هذه القوات على المتظاهرين، وفي اسيوط قام الأهالي بالهجوم على قسم البوليس والاستيلاء على السلاح، ولم يفلح قصف المدينة بطائراتين في إجبارهم على التراجع. وفي قرية دير مواس بالقرب من اسيوط، هاجم الفلاحون قطارا للجنود الانجليز ودارت معارك طاحنه بين الجانبين. وعندما أرسل الانجليز سفينة مسلحه إلى أسيوط، هبط مئات الفلاحين إلى النيل مسلحين بالبنادق القديمة للاستيلاء على السفينة. وفي بعض القري قام الفلاحون الفقراء بمهاجمة ونهب ممتلكات كبار الملاك مما أدخل الرعب في نفوس هؤلاء الأخيرين. ولا يتسع المجال هنا لسرد المزيد من التفاصيل، لكن يمكن القول أن ما سبق ليس سوى أمثلة قليلة لما قامت به الجماهير خلال الثورة.

وكان رد فعل القوات البريطانيه عنيفا إلى الحد الذي يمكن فيه القول أن ما قامت به هذه القوات وأعوانها من الشرطه ضد المصريين خلال الثوره كان من أفظع أعمال العنف الذي لاقاه المصريون في التاريخ الحديث. منذ الايام الأولي، كانت القوات البريطانية هي أول من أوقع الشهداء بين صفوف الطلبه أثناء المظاهرات السلميه في بداية الثوره. وعقب انتشار قطع خطوط السكك الحديد، اصدرت السلطات بيانات تهدد بإعدام كل من يساهم في ذلك، وبحرق القرى المجاورة للخطوط التي يتم قطعها. وتم تشكيل العديد من المحاكم العسكرية لمحاكمة المشاركين في الثورة. ولم تتردد قوات الأمن في حصد الأرواح بشكل لم يختلف أحيانا عن المذابح، كما حدث في الفيوم عندما تم قتل أربعمائة من البدو في يوم واحد على أيدي القوات البريطانية وقوات الشرطة المصريه. ولم تتردد القوات البريطانيه في تنفيذ تهديداتها ضد القري، كما حدث في قري العزيزيه والبدرشين والشباك وغيرها، حيث أُحرقت هذه القري ونُهبت ممتلكات الفلاحين، وتم قتل وجلد الفلاحين واغتصاب عدد من النساء.

انخفضت حدة ثورة 1919 في أبريل عقب قرار السلطات البريطانية بإطلاق سراح أعضاء الوفد والسماح لهم بالسفر لعرض مطالب مصر في مؤتمر الصلح. فعقب إصدار هذا القرار، والذي جاء تاليا لأسابيع من العنف الهائل من جانب السلطات في مواجهة الشعب، بدأت تهدأ الاحتجاجات شيئا فشيئا، وذهب الوفد إلى فرنسا لحضور المؤتمر الذي اعترفت الأطراف المسيطرة فيه، وأهمها الولايات المتحدة ممثلة في الرئيس ولسون، بالحماية البريطانية على مصر، مما كان بمثابة ضربة كبرى لنهج التفاوض. إلا أن ذلك لم يثن الوفد عن الاستمرار في المفاوضات العقيمة لسنوات طويلة


ولنرصد سلوك المصريين عندما عاد سعدُ زغلولٍ لمصرَ في 4 أبريل 1921 بعد نفيه الأول في مارس 1919 .. يصف المؤرخُ عبد الرحمن الرافعي , وهو أحد زعماء الحزب الوطني المشهورين بعداءهم لسعدٍ إستقبالَ الجماهيرِ لسعدِ زغلول يومذاك بقولِه : (وقوبل في الأسكندرية وفي الطريق منها إلى القاهرةِ وفي العاصمةِ بأعظمِ مظاهرِ الفرحِ والحماسةِ بحيث كانت مقابلته سلسلة لا نهاية لها من الزيناتِ والمظاهراتِ والحفلاتِ والأفراحِ مما لا مثيل له في تاريخِ مصرَ الحديث) . أما الدكتور محمد حسين هيكل أحد أبرز شخصياتِ الأحرارِ الدستوريين الأشد عداءاً لسعدِ زغلول فيقول في الجزءِ الأول من مذكراته : (وكان إستقبالُ سعد في ذلك اليوم منقطعَ النظير , فما أحسب فاتحاً من الفاتحيين ولا ملكاً من الملوك حظى بأعظم منه في أوجِ مجدهِ . خفت القاهرةُ كلُها : شبابُها وشيبُها , رجالهُا ونساؤها حتى المحجبات منهن , إلى الطرقات التي سيمر بها يحيونه ويهتفون باسمه هتافات تشق عنانَ السماء , وجاء إلى القاهرة من أقصى الأقاليم وأريافها ألوف وعشرات الألوف يشتركون في هذا الاستقبال الذي جمع بين رجالِ الحكمِ من وزراءٍ ووكلاءِ وزاراتٍ ومن دونهم ومن طبقاتِ الشعبِ المثقفةِ وغير المثقفة) . (ورأى سعدٌ ذلك بعيني رأسِه , فوقف في سيارته التي سارت الهوينى من محطةِ القاهره إلى داره يحيي بكلتي يديه هذه الجموع الزاخرة الهاتفه , الموليه وجهَها إلى الرجلِ الذي إجتمعت فيه آمالُ الأمةِ كلِها) . ثم يضيف الدكتور هيكل : (ترى .. أقُدَّر للأسكندر الأكبر أو لتيمورلنك أو لخالد بن الوليد أو لنابليون بونابرت أن يرى مشهداً أجلَ وأروعَ من هذا المشهدِ ؟ وماذا كان يجول بنفسِ سعدٍ وهو يرى هذا المنظر الرائع يمر أمامه وعيون الناسِ كلهم مشدودة إليه وأفئدتهم متعلقة به وقلوبهم ممتلئة بإكبارِه وإعظامِه ؟) . أما المؤرخ الكبير أحمد شفيق (باشا) فإنه يصف لنا هذا المشهد التاريخي في الجزء الثاني من "الحوليات" فيقول : (لقد روى لنا التاريخ كثيراً من روايات القواد والملوك الذين يعودون إلى بلادِهم ظافرين , فيحتفل القومُ إحتفالاً باهراً بإستقبالِهم, ولكن لم يرو لنا التاريخ أن أمةً بأسرِها تحتفل برجلٍ منها إحتفالاً جمع بين العظمةِ غير المحدودة والجلال المتناهي لم يفترق فيه كبيرٌ عن صغيرٍ , إحتفالاً لا تقوى على إقامته بهذا النظام أكبرُ قوى الأرض لولا أن الأمةَ المصريه أرادت أن تأتي العالم بمعجزهٍ لم يعرف لها التاريخُ مثيلاً) . أما أحمد حسين مؤسس حزب مصر الفتاة والذي رغم خلافه السياسي مع الوفد كان رجلاً كبيراً إتسم بالموضوعيه البالغه في التأريخ عندما أفاض في تصوير عظمة شخصية وجهاد سعد زغلول الوطني في كتابه "موسوعة تاريخ مصر" معطياً إياه حقه الكامل كأعظمِ زعيمٍ في تاريخِ مصرَ الحديث , يكتب أحمدُ حسين في الجزء الخامس من هذه الموسوعه عن إستقبال سعد زغلول يومئذ فيقول : (وصل سعد زغلول باشا إلى القاهره يوم 4 أبريل . وفي ختام الجزء الرابع تحدثنا عن الإستقبالِ "الخُرافي" أو فلنقل الأسطوري الذي إستقبلت به مصرُ سعداً حكومةً وشعباً , ولا غرابة في ذلك فقد كان إبرازُ هذه المشاعرِ وإتخاذها سعدَ زغلول رمزاً لها هو أسلوب الأمةِ في التعبيرِ عن إرادتِها, وقد إستمرت الإحتفالاتُ بعودةِ سعد زغلول تتجلى لعديدٍ من الأيامِ في الوفودِ التي هرعت من أنحاءِ البلادِ لتحيةِ سعدٍ ... وإذا كان من نواميسِ الطبيعةِ أن يكون لكلِ فعلٍ ردَ فعلٍ , فلا بد أنه كان لهذا الإستقبال "الخُرافي" رد فعل في مختلفِ الأوساطِ المعاديةِ للشعبِ , وفي الشعب وفي نفس سعد زغلولٍ على السواء ، فأما أعداءُ الشعبِ وعلى رأسهم إنجلترا فلا بد أن يكون الإستقبالُ قد أفزعها ورأت ما ينطوي عليه من معانٍ , حيث تضامن الشعبُ وتكتل خلف الرجل الذي أصبحت إنجلترا تعتبره خصماً لدوداً لها ، ولا بد أن يكون السلطانُ أحمد فؤاد قد أفزعه بدوره أن يصبح في مصر إنسان بكل هذه القوةِ) .

اما عن الوحده الوطنيه و صد محاولات التفرقه بين أبناء الشعب الواحد التي حاول الانجليز زرعها من أجل تأجيج الصراع الداخلي للمصريين و إلهائهم عن المطالبه بالاستقلال ، فكانت الفتره ما بين و1910 من أسوأ السنين فيما يتعلق بتأزمِ العلاقةِ بين مسلمي مصرَ وأقباطِها . فخلالُ تلك السنوات وكنتيجةٍ لسياساتِ ممثلِ الإحتلالِ البريطاني في مصرَ سير الدون جورست وسلفه اللورد كرومر , والتي قامت على بذرِ بذورِ الحزازات بين المسلمين والأقباط عن طريقِ التناحرِ على المصالحِ بوجهٍ عامٍ والتنافس الدامي على الوظائفِ بوجهٍ خاصٍ , ناهيك عن إذكاء نار التعصب ولا سيما بالإيعاذ للأقلية القبطية أن أبنائها لا ينالون حقوقهم كاملة وأن الفرص لا تتاح لهم كما تتاح للمسلمين , نتيجة لذلك تأزمت العلاقةُ بين مُسلمي مصرَ وأقباطها بشكلٍ لم يسبق له مثيل في تاريخِ مصرَ الحديث ، وقد بلغ تأزمُ العلاقةِ حداً بعيداً عندما أخذت الصحفُ اليومية تعبر عن وجهتي النظر في الخلافِ المشتعلِ بشكلٍ زاد من إشتعالِ نارِ الخلاف ، يومذاك. فقد بلغ التأزمُ أقصَاه عندما قُتِلَ بطرس غالي باشا رئيس وزراء مصر القبطي يوم 20 فبراير 1910 برصاصةٍ أرداه بها شابٌ مصري مسلم هو إبراهيم الورداني ، وخلال هذه السنوات كان سعدُ زغلول وزيراً في كل الوزاراتِ التي تعاقبت على حكمِ مصرَ إبتداءً من وزارةِ مصطفى فهمي باشا الأخيرة (1906 -1908) ووزارة بطرس غالي باشا (1908 – 1910) ثم وزارة محمد سعيد باشا منذ 1910 وحتى إستقالة سعد زغلول الشهيره سنة 1912 . خلال تلك السنوات أتيح لسعدٍ الذي ساعدته طبيعتهُ كرجلِ قانون ومحامي وقاض ذاع صيت عدله كما ساعدته ثقافته التي جمعت بين التراث والثقافة العصرية , أقول مكنه ذلك أن يراقب الأزمه ويقف على حقيقتها وبذورِها . أدرك سعدٌ بنظرهِ الثاقبِ وحنكِته التي كونتها تجاربُ السنين الخصبة أن "العدل" بين طرفي الأمة يقضي على أية فتنة طائفية . كذلك أدرك سعدُ زغلول أن مبادرةَ الأغلبيةِ بكفالة الشعور بالأمان لدى الأقلية هو الأمر الطبيعي والذي ستنجم عنه حالة سلم حقيقية لا ظاهرية , وأن الأقباط عندئذ سيكونون أبعد ما يكونون عن التعصب أو الخوف أو القلق على أنفسهم وعلى أبنائهم وعلى أموالهم .

سياسةَ سعدِ زغلول فى هذا المضمار إنما كانت تقوم على إلغاءِ التعصبِ من الجانبين وذلك عن طريقِ إشاعةِ روحِ الوطنيه المصريه وبث روح الأمان والأطمئنان بين أفراد الأقليه القبطيه وجعلهم جزءاً لا يتجزء من بنيةِ حزبهِ السياسى الكبير ، وتوزيع الأدوار فى هذا الحزب على أساس الكفاءة لا الدين . ومن جانب أخر فإن روحَ التآخى والإخلاص والوفاء والولاء كانت هى معالم إتجاه الأقباط المصريين ومواقفهم ، ذلك الإتجاه الذى تمثل ذات يوم فى أعظم المواقف عندما هم أحد الجنود بطعن مصطفى النحاس زعيم الوفد والأغلبية المصرية بحربة مسمومة إبان وزارة إسماعيل صدقى فى مطلع الثلاثينيات ، فإذا بواحد من أكبر الشخصيات القبطية فى الوفد يلقى بنفسه على النحاس لفدائه فتصيب الحربةُ المسمومة سينوت حنا بجرح غائر يموت – بعد أيام – بأثره وقد قدم مثالاً لا تمحوه الأيام للمعادلة العبقرية فى ربط عنصرى الأمة برباطِ الائتلافِ والتآخى والوطنيةِ والمحبةِ الذى لا تنفصم عراه إلا عندما ينخر التعصبُ فى بدن الأمة – بعنصريها – سواء فى شكلِ فكرٍ رجعى لا يصلح لهذه الأمة ذات العنصرين ولا يصلح لهذا الزمان ، أو فى شكل تعصبٍ مقيتٍ من جانب بعض شخصيات الأقلية التى تجهل أن السلام الوطنى فى مصر هو المنجى الوحيد من طوفان التخلف وإعصار العصبية المقيته الذى هب منذ أكثر من ثلاثين سنة على هذا الجزء من العالمِ الذى توجد مصرُ في قلبهِ .

أما عن دوره في قضيه تحرير المرأه فقد ساند سعد زغلول كتاب "تحرير المرأة " و كاتبه قاسم أمين ، متحملا كل التهم ضارباً عرض الحائط كل النصائح التي طالبت منه الابتعاد عن صاحب الدعوه التي ألبت عليه الملايين حفاظاً علي مستقبله ، كما سمح سعد لزوجته أن تتزعم الحركه الوطنيه خلال منفاه و تفتح بيتها في غيابه لزعماء الثوره و تخرج و تحتج و تزاول نشاطها السياسي و الاجتماعي ، و لم يكن ليحدث ذلك لولا مساندة سعد لتحرير المراة و تنوير المجتمع .

*مات الزعيم و بقيت مبأدئه .
توفي زعيم الأمه سعد زغلول في 23 أغسطس 1927، ودفن في ضريح سعد الذي شيد عام 1931 ليدفن فيه زعيم الأمه وقائد ثورة 1919 ضد الاحتلال الانجليزي. فضلت حكومة عبدالخالق ثروت وأعضاء حزب الوفد الطراز الفرعوني حتى تتاح الفرصة لكافة المصريين والأجانب حتى لا يصطبغ الضريح بصبغة دينية يعوق محبي الزعيم المسيحيين والأجانب من زيارته ولأن المسلمين لم يتزوقوا الفن الفرعونى .

قراءه فى المهزلة الانتخابية



لا شك ان الانتخابات البرلمانية التى تم اجرائها هو الاسواء فى تاريخ مصر الحديث,فعادة النظام المصرى منذ قديم الازل و هو يتبع التزوير ديناُ و الكذب مذهباَ ,و هذا ليس بجديد على النظام المصرى فلم تحدث اى انتخابات حقيقة بنسبة 100%ابدا.

دعت من فترة طويلة قبل الانتخابات كثير من القوى الوطنية المحترمة لمقاطعة الانتخابات او ان يقدم النظام ضمانات حقيقة لنزاهة هذة الانتخابات حتى لا تكون فصل من فصول المسرحية الهزلية الغير مضحكة التى يؤديها النظام كل انتخابات,فبعد ان رفض النظام المصرى الرقابة الدولية على الانتخابات منشدا ومغنيا بالسيادة الوطنية (المفقودة منذ زمن بعيد)و قد وضحت الرؤية تماما بانة بعد الغاء الاشراف القضائى و التزير الذى حدث فى انتخابات التجديد النصفى لمجلس الشورى ان النظام المصرى قد اشهر سيفة فى وجة الجميع و قد قرر حسم كل شى لصالحة.

ولا ينسى احد كيف حصلت جماعة الاخوان المسلمين على 88 مقعدا فى مجلس الشعب فى انتخابات 2005 التى كانت اكثر نزاهة من اى انتخابات شهدتها مصر منذ فترة ليست بالقصيرة.
و بدا النظام المصرى لعبتة المحكمة فى مغازلة بعض قوى المعارضة بانة اصبح لا يريد جماعة الاخوان المسلمين فى البرلمان و ان ميراث الجماعة فى مجلس الشعب من الممكن ان يتم توزيعة عليهم بشرط الاشتراك فى هذة المهزلة لتحسين صورة النظام المشروخة دولياً.

و هكذا انساقت بعض الاحزاب وراء كلام و مغازلات النظام و لكنها لم تكن تعرف انها كالبقرة  التى تنساق الى مكان ذبحها,فتحول الكثير منهم الى موقع المدافعين عن انفسهم ليلا نهارا مدعين بانة لا توجد صفقة لهم مع النظام و انهم احرار فى قرارتهم .

ثم جاء يوم المنتظر من الجميع ليعلنها النظام صراحة بانة لا يهتم الا بنفسة و بمصلحتة و بقاءة فى السلطة و انة كل الذين راهنو على اى اصلاحات داخلية للنظام قد خسرو الرهان للابد فلو ظل هذا النظام لمائة عام قادمة لن يتغير,فتم تزوير انتخابات لم تحدث اصلا و الفضائح يعلمها الجميع و اذا سردنها هنا لما انتهينا منها الا بعد يومين !.

هذا التزوير لم يكن فقط تزوير عادى لكنة كشف عن ازدياد "بجاحة"النظام الحاكم و حزبة الوطنى فقد شاهدت فى يوم الانتخابات نفسة السيد احمد عز فى مؤتمر صحفى يتكلم عن نجاحات الحزب هذة المرة و كيف اسقط الحزب كل منافسية بذكائة السياسى كل هذا و لم يكن التصويت فى الدوائر قد انتهى او بدا اصلا !!!!!!!!!!!!!!!!!
ما هذة الثقة التى يتكلم بها الرجل ؟
هذا هو الفكر الجديد و التغير و هذا هو مستقبل اولادك ,فلا امل مرجو من هذا النظام الذى لا يخاف الا من الراى العام الدولى و منظمات حقوق الانسان و الادارات الاجنبية ,فالنظام الذى رفض الرقابة الاجنبية مدعيا السيادة هو ايضا من يقوم بتنفيذ تعليمات صندوق النقد و البنك الدولى بحذافيرها "لاحظ السيادة".

و بالعودة للسادة المعارضين الذى حاول استغلال ما حدث لتبرئة انفسهم من شبهة وجود صفقة بينهم و بين النظام فلنا لهم سؤال
اذا لم تكن بينكم و بين النظام صفقة و بملاحظة ان النظام لم يقدم اى ضمانات لنزاهة الانتخابات  فعلى اى اساس دخلتم الانتخابات ؟!!!!!!!!!!
ولا يقل لى احد منكم بان هذا كان قرار الهيئة العليا و ما الى ذلك من هذا الكلام فالدكتور السيد البدوى مثلا جلس يتكلم عن ان  الهيئة العليا لحزب الوفد اجرت تصويت على دخول الانتخابات فكيف يتم التصويت من الاساس اذ لم يكن هناك ضمان بنزاهة الانتخابات اصلا يا دكتور سيد؟!!

النتيجة النهائية التى حصلنا عليها من جراء هذا الهراء المسمى بالانتخابات
1-فشل اى تحول ديمقراطى فى مصر .
2-ذبح جميع الاحزاب التى شاركت فى المهزلة.
3-برلمان حكومى بامتياز .

و من المتوقع للفترة القادمة ان تشهد مزيد و مزيد من الكوارث فلا يخفى على احد ان انتخابات الرئاسة المزعم اجرءها بقى عليها اقل من عام فمزيد من التضيق الاعلامى و الامنى منتظر و متوقع و الى هنا اترك لكم ملكة الخيال لتوقع ما هو اسوء .......

الدين و الايديولوجية


تمر المجتمعات الانسانية فى مدارج تطورها بمراحل تاريخية يكون الدين و الايديولوجية شيئا واحد فيتوحد النسقان الدينى و الايديولوجى ,و يكون الفكر الموجة للفعل و السلوك ذو طابع دينى,فلا نكاد نفصل بين ما هو من صميم المعتقد الدينى فى مجتمع معين و نسق الافكار و المعتقدات و المبادىء الدنيوية الموجهة لاعضاء هذا المجتمع فى  تعاملاتهم و انشطتهم و ممارستهم لادوراهم و وظائفهم الاجتماعية فكل من النصوص و الشريعة لهما قوة ملزمة..

و مع تطور المجتمع الانسانى ,و تعقد بنيتة وتنوع الوظائف و الادوار الاجتماعية فية يبدا نوع من التمايز بين انماط الفكر,و كما تتمايز المؤسسات الاجتماعية الدينية عن المؤسسات الايديولوجية.و يكتسب النسق الايديولوجى فى المجتمع الحديث وجودا مستقلا عن النسق الدينى فى هذا المجتمع.و كقاعدة عامة يندمج النسقان و يتوحدان فى هذة المجتمعات التقليدية,حيث يمثل الدين قوة معنوية هائلة و مؤثرة و فاعلة,من ثم لابد من صياغة ما هو ايديولوجى-توجهة المصالح و ليس المبادىء-صياغة دينية و الباسة عباءة دينية من اجل تبريرة اجتماعيا.

و فى المجتمعات الحديثة يتمايز النسقان الدينى و الايديولوجى عن بعضهما,و يبدا المحللون يبرزون اوجة الاختلاف بينهما فيؤكدون على عدة حقائق اهمها
1-(ان الدين-معتقدات و شعائر و تشريعات-لا يمكن اختزالة الى (مجرد ايديولوجية.
2-نصوص الدين يقدسها معتنقوة,و وثائق الايديولوجية و نصوصها لا تحمل قدسية انما هى موضع للنقد و التعديل و الالغاء احيانا,لان مبدعوها بشر يصيبون و يخطئون و ليست لافكارهم -عند مؤيدهم-حصانة من اى نوع.
3-الدين ازلى ابدى,الهى مقدس,صادق فى ذاتة صدقا مطلقا,الخطاب الدينى يامر و ينهى,يحدد الحلال و الحرام,و يقيم الحدود;اما الايديولوجية فهى اجتماعية تاريخية ,بشرية علمانية,تحتمل الصدق و الكذب ,صحتها نسبية و اهدافها مادية مصلحية,تدعو و ترغب,ترجو و تقنع,تصارع و تهادن و تصالح,ليس فيها حدود صارمة ولا احكام جازمة,تفرق بين المرحلى و الاستراتيجى.
4-الدين يسعى الى اخضاع الواقع لاحكامة و اخضاع الانسان لربة,اما الايديولوجية فتتعامل مع الواقع فى حدود الممكن و تتكيف معة,فهى اجتماعية تاريخية فى بنيتها و وظائفها الاجتماعية و اهدافها المرحلية و النهائية .
5-يتميز الدين بالكلية و الشمولية,حيث يجد المؤمنين فى دينهم اجابة جاهزة عن كل سوال,عن ماضى العالم و نشاة الكون و اصل الانسان و مصيرة,و الحكمة من وجودة,و الغايات التى ينبغى ان يسعى اليها فالدين يوضع للمؤمنين كل شى يرشدهم و يهديهم.اما الايديولوجية فتبحث فى الواقع و تتجة الى المستقبل لتحقيق اهداف اجتماعية :سياسية و اجتماعية بالدرجة الاولى فى اطار خطة مرنة قابلة للتعديل طبقا للظروف المتغيرة,و مع ان بعض الايديولوجيات تهتم بفهم تاريخ المجتمع فى تطورة و تغيرة و صيروتة من الماضى  الى الحاضر,فان هذا السعى لفهم الماضى هدفة الواقع,فهو نفطة انطلاق الايديولوجيات,تاييدا او معارضة,قبولا او رفضا.

و يتوقف على طبيعة المجتمع و مرحلة تطورة درجة ,التفاضل او التمايزاو التكامل و التداخل بين النسق الدينى و الايديولوجى,و يصل هذا التكامل و التداخل الى حدة الاقصى فى الدولة الدينية.كما يصل التمايز و الانفصال الى حدة الاقصى فى الدولة العلمانية,حيث ينفصل الدين عن السياسة, انطلاقا من مقولة تشبة ما عبر عنة الرئيس الراحل انور السادات:لا دين فى السياسة,ولا سياسة فى الدين و تمثل الايديولوجية الدينية السلفية نموذجا لمزج ما هو دينى بما هو سياسى.
و يمكن ان نلخص الموقف كما يلى :
1-يوجد فى المجتمعات التقليدية نسق دينى يقوم بالوظائف الاجتماعية للايديولوجية,بالاضافة للوظائف الروحية الاساسية.و مع ان حكام معظم هذة المجتمعات ليسوا من المؤسسة الدينية الا انهم يتحالفون معها ,ولا يمكنهم الاستمرار فى الحكم دون دعم دينى.
2-كلما تطور المجتمع,يتبلور نسق ايديولوجى ذو طبيعة مستقلة.
3-مع نشاة و تطور المجتمع الصناعى الحديث برزت و تبلورت ايديولوجية ذات طابع علمانى ,و تقوم بتوجية اعضاء المجتمع,نحو تحقيق مصالح-حقيقة او مزعومة-ولا يوجد مجتمع انسانى معاصر-مهما كانت علمانيتة-استغنت السلطة السياسية فية عن الدعم الدينى,و الادلة على ذلك -اروباء و امريكا و غيرهما.فلم يزل للدين قوة تأثير على الناس لا يمكن اغفالها.

و بعد ان برزت الى الوجود ايديولوجيات ليبرالية و ماركسية طرحت نفسها كبديل علمانى لما يقدسة الناس لعدة قرون,ظل الدين حاضرا و مؤثرا بدرجات متفاوتة فى كل المجتمعات المتطورة شرقا و غربا,فى نطاق العبادات و السياسات,و قراءة اسما الاحزاب فى اروباء الغربية تكفى للتدليل على ما اقول.

اذا كنا قد ركزنا حتى الان على الايديولوجية كظاهرة اجتماعية تاريخية نشات فى احضان الدين-كاول تعبير عن وعى الانسان بوجودة-ثم تنازعتها الفلسفة و العلم,فلم تزل هناك اوجة اتفاق بين الدين و الايديولوجية تتمثل فى ان كليهما يسعيان لتشكيل سلوك الناس,الا انهما يختلفان فى ان الدين يركز على سلوك الناس و ممارستهم فى الحياة اليومية ,على عكس الايديولوجية التى لا تولى اهتماما كبيرا بالممارسات اليومية الروتينية,اذ ان وظيفتها الاساسية هى  تحريك الجماهير لبلوغ اهداف استراتيجية, و من اجل هذا تعبئهم و تحشدهم و تنقلهم  من الانفعال الى التفاعل الى المبادرة الفعالة,و هى لا تفعل ذلك معهم كافراد بل كجماعات منظمة,كجماهير مسيسة و معبأة و واعية و مصممة على بلوغ اهداغها.

فى حين يهتم الدين بشكل طلق و كلى بمحيط الوجود اليومى و الازمات التى تحفل بها الحياة الخاصة فى الابنية الاجتماعية المختلفة(الاسرةوالجيرة,جماعة اللعب,و العمل....الخ),و توجة الناس الى ان يسلكو فى كل الادوار الاجتماعية التى يمارسونها طبقا لقواعد الدين :اوامرة و نواهية.

فان الايديولوجيات تجمع و توحد الطاقات-الفردية و الجماعية-النادرة المبعثرة,و توجهها نحو هدف عام فى المجال الجماهيرى خاصة فى الميدان السياسى.

و الدين ينشر و يحذر على الدوام,وينظم,ويحرم و يمنع السلوك المعيب و الانحرافى وويضع قيودا وحدودا على كل انماط السلوك فى الحياة اليومية,و يقنن العلاقات الانسانية و المعاملات و الافعال الاجتماعية التى تتصل بالزواج و الميلاد,والطعام و الشراب,الصوم و الافطار,الاحتفالات الدينية و طريقة ممارسة الطقوس و الشعائر..الخ,باعتبار تلك العلاقات هى المحور الرئيسى للحياة الانسانية.

اما الايديولوجية فيرتكز اهتمامها و وظائفها فى تغير المؤسسات الاجتماعية,فهى تنظرللاصلاح او الثورة,عن طريق تنوير الجماهير او تثويرهم حسب الظرف التاريخى,كما انها قد تبرر و تهادن,و من ثم تدفع الجماهير للتكيف و المهادنة,اذما كانت الايديولوجية هى ايديولوجية السلطة,فالايديولوجية تتعامل مع واقع اجتماعى و سياسى ,و المؤدلجون هم اكثر شرائح المجتمع وعيا,و من ثم فهم يتعاملون مع الواقع قبولا او رفضا او سلبا طبقا لمقتضيات الواقع و بناء القوة و علاقاتها فى المجتمع.

واذا كانت الايديولوجيةتنبع من الواقع و تتعامل مع معطياتة,فان الدين يهتم بالمقدس و بما وراء الطبيعة,بقوة اللة ,برسلة و رسالاتة,باحكامة و نواهية التى تحكم سلوك الناس و تظبط علاقاتهم باللة وبالاخرين.فان الانسان نخلوق محدود القدرة تلك المحدودية التى تحكم  حركتة و تحدد حجمة و دورة و حدود علمة.

اما الايديولوجية العلمانية فهى تنظر للانسان باعتبارة منبعا لطاقات غير محدودة,كفاعل تاريخى,كمناضل,و كمبدع,وتنظر لمجموع الناس فى مجتمع معين باعتبارهم مسئولين احرار فى مجتمع ديمقراطى.

و ينظر الدين للانسان باعتبارة مخلوقا محدود ا ناقصا,يسعى للكمال لكنة لا يدركة,لا علم لة الا ما علمة لة خالقة,و هو علم محدود فى عقل انسانى محدود,فاللة هو مصدر المعرفة,وهو الفكر الكلى,و علمنا جهالة امام اللة,فاللة هو الذى علم الانسان البيان,فالمعرفة معطاة للانسان من اللة.

اما الايديولوجية العلمانية فتؤكد على الطبيعة الانسانية للمعرفة,فهى ابداعات لعقل الانسان و خبرتة:انا افكر انا موجود,تلك الايديولوجية العلمانية السائدة فى المجتمعات الغربية اساسا و موضوعها الانسان:قواة و ملكاتة و قدراتة و ابداعاتة و طاقاتة,و من بين ابداعاتة تلك الايديولوجية التى هى انساق مذهبية عقلانية.

ولا يعنى هذا ان كل ايديولوجية ذات طابع دينى تفتقر بالضرورة الى العقلانية و الرشد ,و لكنة يعنى ان طبيعة التكوين الاجتماعى تفرز ايديولوجيات متسقة معة و متناسبة مع ما بلغة المجتمع من تطور مادى و معرفى,كما تتناسب مع نوعية الوعى الاجتماعى و نمط التفكير السائد.

و لماكانت حرية الضمير و نضج الوعى هما ابرز سمات المجتمع الحديث,ويتماشى مع حق الانسان فى المجتمع المتطور فى الاختيار الفكرى و الوجودى,وفى تقرير احكامة على الموضوعات و الاشياء.فاننا قد نجد ان بعض الايديولوجيات الدينية ترتكز على مفهوم حقوف الانسان,و على قدرات الافراد و قواهم.فتلك مبادى ينطوى عليها المفهوم المتطور للدين,على عكس المفهوم المتخلف.و ما نراة من القوة التحريرية للدين فى بعض المجتمعات فيما يعنية مصطلح اللاهوت التحريرى,هو شاهد على امكانية اضفاء العقلانية على الايديولوجيات ذات المرتكزات و المنطلقات الدينية.

لقد برزت تاريخيا فى الغرب و فى فرنسا على وجة التحديد بدافع وضع اجتماعى يستلزم خطابا سياسيا من نوع جديد,خطاب يبحث عن فعل لكنة لا يبحث عنة من خلال التوسل للسلطة او التقليد,او بواسطة استثارة العواطف.لقد كان الخطاب المستهدف يستند على فكرة ارساء الفعل السياسى فى نظرية علمانية رشيدة.

ان القاعدة الاساسية فى كل ايديولوجية حديثة -فيما عداالايديولوجيات السلفية-هى بالتاكيد-المعلن او الضمنى-على وحدة النظرية و التطبيق,و الكلمة و المعتقد من ناحية و الممارسة و الفعل من ناحية اخرى باعتبارهما وجهان لايديولوجية واحدة,فهى فكرة فى حالة فعل ,من خلال خطاب عقلانى,لقد فصلت الايديولوجية ذاتها عن الوعى الدينى و اللاهوتى,حيث تؤكد مصداقيتها و فعاليتها و توجهاتها بالمنطق الواضح الذى تبرزة لرؤاها و فهمها للواقع الاجتماعى الذى توجد فية,و مقوماتة و الياتة و قواة,فى حين تستنفر الايدلوجية السلفية ايمان الفرد و عواطفة و احلامة و ربما اوهامة ايضا,كما انها تعتمد على نفوذ الداعية و تاثيرة على الجماهير و ليس على قوة المنطق و علمية التحليل كما انا مفردتها مستمدة من افكار و نصوص لها قدسية لدى السامعين,و هذا  فرق حاسم بين خطاب ايديولوجى عقلانى و خطاب ايديولوجى عاطفى سلفى.

هكذا لا تستلزم الايديولوجية السلفية ثقافة لدى المتلقى للخطاب السلفى,بل لعل جهلة الزم لاقناعةو انسب لتجنيدة و توجيهة و استعمالة كاداة للارهاب الذى هو السمة الغالبة على فصائل التنظيمات السلفية لذلك لا ينطوى الخطاب السلفى على مسعى لتنوير المتلقين او المستهدفين.كما ان طريقة طرح الوقائع و الاحداث تستهدف اثارة الغل و ليس ابراز الحقائق.

واذا كانت الوظيفة الاولية للايديولوجية العقلانية هى اللجوء الى الذكاء و استثارتة,و صهر العواطف و العقل الناقد فى بوتقة الخطاب الرشيد الذى يحلل الواقع و يستشرف المستقبل.بحيث يشبع الخطاب الايديولوجى حاجة الناس لتوليفة جديدة تحترم خلفياتهم الدينية,و ثقافتهم العلمية,و فكرهم السياسى بحيث يجىء الخطاب الايديولوجى و قد طوع الحقائق للافكار,واخضع الافكار للوقائع,و خلق صورة للمامول و كرس طريقا واقعيا لتحقبق الحلم مع مراعاة الظروف التاريخية المتغيرة.

ان الايدلوجية العلمانية تقدم تشخيصا لحالة المجتمع,و صورة دقيقة للمجتمع تعلن ان اهدافها و وسائلها وضعت فى اطار تلك الصورة و هى الى هذا الحد تبدو نوعا خاصا و عقلانيا من الخطاب الايديولوجى .اما الايديولوجية السلفيةفهى تبعث صورة الماضى و تستحضر سمات المجتمع القديم و خصائصة,و سلوك السلف و مناهج تفكيرهم و طريقة سلوكهم,,ثم تدعو الى ابتعاث ذلك المجتمع بحيث تتجسد صورة الماضى فى الحاضر عن طريق التقليد الحرفى للماضى دون زيادة او نقصان دون ابتداع او تحديث.

و الايديولوجية العلمانية تبدا من الواقع و تنتهى الية,وتجعل مما هو كائن فى المجتمع اساسا للفعل,اما الايديولوجية الدينية فتبدا من الماضى و تستهدف ابتعائة والانتهاء الية,و تجعل مما هو كائن فى الماضى اساسا للفعل السياسى,فهى فى اهدافها و وسائلها متعلقة بالفردوس المفقود تريد استرجاعة باى ثمن.

و قد يوحى مفهوم الايديولوجية العلمانية بانة لم تكن هناك ايديولوجيات بالمعنى الدقيق قبل المجتمع البرجوازى,ذلك ان نسق المعتقدات و الافكار المرتكز على الفكر الدينى و الميتافيزيقا لا يعد ايديولوجية بالمعنى الاصطلاحى للكلمة.

و يتضمن النسق الايديولوجى فى المجتمعات الديمقراطية المتطورة تصورا عن العالم بعامة و المجتمع الذى افرزها بخاصة لكل ما يتضمنة من علاقات و نظم و انساق فى ماضية و حاضرة و مستقبلة,ما هو كائن و ما ينبغى ان نناضل ونعمل حتى يتحقق,كيف و لماذا و الى اين؟الاهداف و الوسائل و غالبا ما تدعم هذة الايديولوجية نظريات اجتماعية و تمثل نظرية ادم سميث فى حرية التجارة,و التى ضمنها فى كتابة (ثروة الامم)احد دعائم الايديولوجية الليبرالية,كما يمثل النسق النظرى لماركس اهم دعائم الايديولوجية الاشتراكية.

احداث العمرانية نتيجة طبيعية



لا شك ان الاحداث التى وقعت فى العمرانية قد هزت اركان الراى العام المصرى المنشغل حاليا بمهزلة اخرى هى مهزلة الانتخابات,بدات القصة حينما تم استصدار تصريح لبناء مجمع خدمات ثم تحول المبنى المزعم اقامتة الى كنيسة فتدخل الامن لوقف بناء الكنيسة ,و السوال هنا يكون لماذا تم اللجوء الى مثل هذة الخدعة لبناء الكنيسة ؟؟
الاجابة لان الدولة تماطل و تتعمد تاخير اعطاء التصاريح ببناء الكنائس لذلك يتم اللجوء الى هذا الاسلوب باستمرار ولا تعرف على اى اساس يتم اعطاء التصاريح هل هو المزاج الشخصى لاجهزة الدولة مثلا ؟؟!
و لان الدولة المصرية غير موجود بالاساس داخل الشارع المصرى فيتم دوما البناء بعشوائية و بتصاريح مضروبة و مزيفة فلو كان هناك قانون موحد لبناء دور العبادة لما وصلنا الى مثل هذة الاحداث المتكررة .

و لكن احد اهم اركان المشكلة هم المسيحين انفسهم الذين ارتضو ان تتعامل معهم الدولة على اساس انهم طائفة فتمن عليهم حقوقهم حينما تشاء و تغضب و تسحبها منهم  متى تشاء .

فغالبية الوقفات الاحتجاجية للمسيحين تتم بعد اعطاء البابا الضوء الاخضر لهم بالتظاهر مما يوكد ان الكنيسة قد تجاوزت دورها من موسسة دينية الى موسسة سياسية تقيم وقفات احتجاجية و تتفاوض باسم الاقباط و تتحدث عنهم (لاحظ انها تتفاوض باسهم فى حقوقهم المنصوص عليها دستوريا بحكم كونهم مواطنين مصرين)اى ان الكنيسة تساعد بشكل كبير فى تهميشهم و تحولهم الى طائفة تعيش داخل اسوار الكنيسة التى تحولت الى جيتو للمسيحين.

و بالعودة الى دور الدولة مرة اخرى فيلح علىِ سوال هو لماذا تتعنت الدولة بهذا الشكل لاعطاء تصاريح البناء فالدولة سمحت بالبناء العشوائى فى كل المدن حتى اصبح لدينا 15 مليون شخص يعيشون داخل الاحياء العشوائية بل ان الدولة ذاتها قد قامت بتوصيل بعض المرافق الى تلك الاحياء العشوائية .

نتيجة كل هذا التعنت كانت قتيل و 67 جريح و خسائر مادية فادحة فخرج الكل خاسرمن هذة المعركة التى لم نكن فى حاجة اليها .

اسوء ما فى الموضوع هو ان الدولة سوف تبرر ذلك كلة بان المبنى غير مرخص و ان المسيحين قاموا بالاعتداء عليها ناهيك عن الصور و المشاهد التى سوف تتناقلها وسائل الاعلام المختلفة مما قد يعطى الفرصة لغلاة الدين و المتشدين باتهام المسيحين بانهم يريدون زحزحة استقرار الدولة مما يزيدن الاحتقان الطائفى الموجود بالفعل (و تتساءل الدولة فيما بعد عن اسباب الفتنة !)هذا بخلاف الصورة التى سوف يرها العالم من خلال وكالات الانباء العربية و العالمية (ثم تعود الدولة لتقول لنا ان بعض الافلام او برامج التوك شو تسوء سمعة مصر بالخارج !).ة

اعتقد انة قد اتضح لكل ذى عقل عن اننا فى حاجة ماسة الى اقامة دولة المواطنة الكاملة و اصدار قانون موحد لبناء دور العبادة و اصبح واجب علينا دعم الاراء التنويرية المتسامحة من الجانين و يجب على كل الجهات المصرية العمل باقصى طاقاتها على التاكيد و ترسيخ قيم المواطنة فى المجتمع المصرى و الا نمل من التاكيد عليها فلا يجب لنا ان نتكلم عن حدوث الكارثة ثم نصمت عندما تهدا الامور لنعاود الحديث مرة اخرى عند حدوث كارثة اخرى .

ان شرارة واحدة تكفى لاشعال النيران فى بئر بترول باكملة

حديث عن العالم الافتراضى


هو عالم لا يقل خطورة و غموض عن العالم الحقيقى,هو اكبر دليل و برهان على امكانية المحدود خلق اللامحدود فبينما خلقة العقل البشرى حتى فشل و عجز عن تصور قدرة اختراعة و تاثيرة علية من جميع الجوانب و الجهات.

قبل اربعين سنة قبل أربعين سنة، وُلِد الفضاء الرقمي الافتراضي المشبع بالذكاء،عندما استطاع فريق علمي بقيادة ليونارد كلاينروك الربط بين كومبيوترين في جامعتين أميركيتين.

قال كلاينروك كلام غريب و ذو دلالات كثيرة :
عند ولادة الفضاء الافتراضي، لم نقل "إنها خطوة كبيرة للإنسانية" كما فعل رائد الفضاء نيل ارمسترونغ حين خطا على القمر.

الجدير بالذكر انة تزامن مع دخول الانسان للفضاء الافتراضى الرقمى تزامن من خروج الانسان من الارض للانتشار كونيا عبر وصل الانسان الى سطح القمر.

انه فضاء الكلمة لا تحتاج الى شرح فهى تقدم نفسها بنفسها من اتصال عقلين اصطناعيين يقومان على فكرة محاكاة الذكاء الانساني والتشبيه عليه (بمعنى أنهما يحملان شيئًا ما عن حقيقة ذلك الذكاء، من دون أن يكوناه فعليًا)، وُلد فضاء افتراضي مملوء بتلك العقول "المحاكية".

نتذكر هنا حكمة توراتية تقول :إن النسخة الشبيهة لا تخفي الحقيقي البتة، بل إن الحقيقي هو الذي يخفي واقع عدم وجود شيء حقيقي. إن النسخة الشبيهة هي حقيقية.

استخدم هذة الحكمة المفكر الفرنسى جان بودريار  في كتابه  النسخ الشبيهة والمحاكاة و يعتبر بودريار من اوائل من لمح تاثيرات الوجود الافتراضى على الانسان,فشرح  مفهومه عن "الواقع الفائق" Hyper Reality، الذي يصف العيش الحاضر المتمازج بين الإفتراضي والحقيقي

سرعان ما امتلأ الفضاء الافتراضي بالذكاء البشري فعليًا، وصار مساحة للتلاعب والتفاعل بين الذكاء التشبيهي للفضاء الافتراضي وعقول البشر . ثمة مثال شديد السخونة عن عيش الواقع الفائق حاضرًا، المملوء بالتفاعل وتبادل الأدوار بين الحياة في فضاء الإنترنت والإنسان نفسه، هو مواقع المحاكاة الافتراضية (أو التشبيه الافتراضي) مثل موقع "حياة ثانية" Second Life. يشبه الأمر افتتاح تاريخ جديد لعلاقة غير مسبوقة بين الإنسان و"فضاء ذكائه" في زمن ما بعد الحداثة. أيّ علاقة لذلك الإفتتاح المذهل مع مفهوم الفضاء نفسه عند البشر؟

كان لوكالة "داربا"دور كبير و فعال فى ولادة هذا العالم فقد قادت فريق عمل  كلاينروك وموَّلته، حتى ظهر للبشرية اول فضاء افتراضى فى التاريخ  عبر شبكة "أربانت" التي ربطت بين الصواريخ الاستراتيجية الحاملة للرؤوس النووية ذات الدمار الشامل.

لقد كان ولادة الفضاء الرقمى تحمل بين طياتها قوة و عنف كبيرين , مثل خفاء صراع القوى الهائل في ألق الاحتفال بالسير الأسطوري على القمر. استطرادًا، يقفز إلى الذهن فورًا وصف العنف بأنه قابلة التاريخ، وقد وصل إلى ماركس من هيغل، لكن الماركسيين لم يفهموا العنف إلا بأشكاله الأكثر رداءة. وأيضًا، ساهمت "داربا" في إعطاء البشر مكانًا "شبيهًا" في الفضاء. إذ أنشأت تلك الوكالة نفسها في عام 1957 للردِّ على التحدي الذي رمى قفازه الإتحاد السوفياتي في وجه أميركا، عندما أطلق القمر الاصطناعي الأول "سبوتنيك"، فكانت نقطة انطلاق لمشاريع في الفضاء.

الحديث فى هذا الموضوع يقودنا مباشرة الى الاستعانة برأى مارتن هايدغر في كتابه الكائن والزمان، و حديثة عن علاقة الانسان و التقنية التقنية ليست شيئًا تقنيًا على الإطلاق، ولا تُدرك علاقتنا بماهية التقنية، طالما اقتصرنا على تمثُّلها والإنبهار بها وممارستها، شدَّد هايدغر على أن تصوُّر التقنية كشيء حيادي، يمثل استسلامًا بائسًا للعقل أمامها، لأن هذا التصوُّر الذي يحظى بمكانة محبَّبة في المجتمعات ما بعد الصناعية، يجعلنا غير مبصرين تمامًا تجاه ماهية التقنية.

و يمكننا بالتجرد من الفضائين العثور على اجابة للحدثين و علاقاتهما ببعض وتاليًا، العثور على البنية الخيالية التي تربطهما بعالم ما بعد الحداثة الذي يبدو كأنه وُلد منهما.

ويمكننا ان نقول ان مفهوم الافتراضى رقميا,وفق  المعنى الذي أبرزته الإنترنت إلى الوجود، وكما يظهر في المحاكاة الإفتراضية Virtual Simulation.

فقد اظفى هذا المعنى انفجار فى مفهوم الممكن لدى العقل البشرى , كذلك يقف الإفتراضي في قلب ما يظهر في "الواقع الفائق" من تظاهرات مثل الرواج الانفجاري للشبكات الاجتماعية على الإنترنت، وتجذُّر ظاهرة العيش الإفتراضي ,والعودة "الملتبسة" لأشكال كانت مكبوتة من اللاعقلانية، ابتداء بالتباس تدريب إرهابيي تنظيم "القاعدة" على برنامج الطيران الإفتراضي "فلايت سميولايتر"

تزامن صعود الكمبيوتر وتبلور العالم الافتراضي، مع تغيير قوي (يضج بالتناقضات أيضًا) ومع الكثير من أسس عقلانية الحداثة وظهور ما بعد الحداثة،لاحظ هايدغر أن المجتمعات الحديثة ترتاح إلى تصور يجعل التقنية من فعل الإنسان حصرًا (البعد الانتروبولوجي) وأنها تحقِّق غايات إنسانية. ولم يرتح هايدغر إلى هذا التصور، الحداثي بامتياز، لأنه يقصر الحوار مع التقنية على مدى صلاحيتها واستعمالها الجيد، وذلك قول يتردد كثيرًا من القنبلة الذرية إلى الترفيه المتطوِّر ووسائل الاتصالات السريعة والإستنساخ وغيره. ونظر إلى التقنية باعتبارها انكشافًا، بمعنى السير بالشيء من الاختفاء والغياب إلى الظهور. ولاحظ هايدغر أن للإنكشاف أمام التقنية حدًّا آخر هو الحقيقة. ورأى أن ما ينقذ الإنسان يكمن في الخروج من التفكير في التقنية باعتبارها أداة، وفي التحاور مع ماهيتها، للوصول إلى تأمل مختلف عنها أيضًا. وخلص إلى أن لا يقين في الطريقة التي يستطيع فيها الكائن الإنساني الوصول إلى وضع اليد على ماهية التقنية (وتاليًا الحقيقة)، داعيًا إلى الاستمرار في طرح الاسئلة لأن "التساؤل هو تقوى الفكر".

  يظهرفى نموذج الكمبيوتر   سطوة وحدانية المرجعية الرياضية، وامتدادًا سطوة المرجعية والحتمية المحمولة في المنهج الدقيق للنموذج. عندما صنع إدوارد لورنز نموذج الكومبيوتر الأول عن المناخ، وقع في الخطأ لأنه أخطأ في إدخال إحدى المعلومات. صحَّح الذكاء البشري المعلومة، فتصحح نموذج الكومبيوتر. بقدر ما يسير نموذج الكومبيوتر بصرامة لا تقبل أي خروج على دقتها المرهفة، يفيد بأن كل ذكاء يستطيع أن يصنع نموذجه، وأنه يصعب القول مسبقًا بتفوق نموذج على آخر. المرجعيات صارمة إلى حدٍّ أقصى، ولكنها منهكة ومتعددة ومتفككة إلى حدِّ التذرر. وكذلك تراوغها الحقيقة بقدر إدِّعائها. يبدو وضع الافتراضي ونموذجه، كأنه مزيج من هايدغر وبودريار، بطريقة لم تستنفد أفقها بعد، بل حتى لم تشرع في التفتُّح والظهور.

ثمة ما هو أهم. إن النموذج الافتراضي هو غير التراسل بين عقل الإنسان والطبيعية والكون. حلَّ النموذج الافتراضي مكان التجربة. بالأحرى، صار النموذج الرقمي محلاً آخر إفتراضيًا (و"حقيقيًا" بمقدار) للتراسل بين العقل والطبيعة، الممثلة في رقميات الكومبيوتر. مرة أخرى، ثمة إنهاك واضح، لأن النموذج معتمد على الرياضيات التي تعبِّر عن علاقات الأشياء، ولكنها لا تستطيع ان تكون أشياءه فعليًا، إضافة إلى التحدي المضاعف الذي يرفع حدَّ الارتياب واللايقين، ويأتي من الرياضيات غير التقليدية ونظرية الفوضى والفيزياء الكمومية. استولى الإفتراضي الرقمي ونماذجه المتعددة المتذررة على كثير من العقل، وأنهك العقلانية، وأفلت كثيرًا من اللاعقلانية.

جذور الاستبداد فى الفكر و التراث العربى!





قد يكون للبعض معرفة كبيرة بمؤسس مدرسة التحليل والتنظير السياسى الواقعي الإيطالي  ميكيافيلى
وكتابه  "الامير" الذى نال به شهرته و مكانته بين اساطين الفكر السياسى ,لكن لا يعلم الكثير عن محمد بن ظفر الصقلي (1104 - 1172) و هو مفكر سياسى مسلم عربى من ألقابه: حجة الدين,شمس الدين وهو المعلم الحقيقي لميكيافيلى,و قد عاش الصقلى قبل ميكيافيلى  بـ350 سنة ,و كان مستشاراً لحاكم صقليه العربى ابو القاسم بن علي القرشى عندما كان العرب يحكمون جزيرة صقليه الايطاليه.

و قد ترك الصقلى كتاباً مهم هو "سلوان المطاع في عدوان الأتباع"و هذا الكتاب الذي اهداه إلى حاكم صقلية محمد أبو القاسم علي القرشي هو نفس الكتاب الذى اهداه ميكيافيلى "الامير"لحاكم فلورنسا لورنزو دي مديتشى.

 بعبارة أخرى, فان كتاب ميكيافيلى كان اقتباساً شبه حرفى من كتاب ابن ظفر الصقلى,صحيح أن ميكيافيلى كان يرى أن يتحلى الحاكم بصفات الأسد والثعلب ,القوه والحيله وان ابن ظفر كان يرى ان علاقة الحاكم بالمحكوم يجب ان تكون الشرعيه والمحبه, الا ان ميكيافيلى نقل عن ابن ظفر أهم أطروحاتة:الغايه تبرر الوسيله, وعلى الحاكم ان يجعل العلاقه بينه وبين الناس علاقة خوف لا علاقة محبه, لان المحبه علاقه متساويه بين القوى والضعيف, اما الخوف فهو علاقه اذعان لا يستطيع الضعفاء نقضها الا بنقض اسبابها.

الاستبداد و التحكم بالشعوب و اذلالها و ابقاءها تحت نيران الاحتلال الوطنى لة باع طويل ممتد فى جذور و اعماق الفكر العربى و التراث العربى ,و يوجد الكثير من القصص التراثية التى تبين لنا كيفية سحق ارادة الشعوب و تغيب وعية ,نقرا ان شيخاً بعث اليه بعض السلاطين بابنائهم ليعدهم لخلافتهم في السيطرة على رقاب العباد والتحكم بمصائرهم.

 فجمعهم هذا الشيخ وذهب بهم إلى الغابه, وهناك وبعد ان خُـيـل اليهم انه سوف يتحدث عن تاريخ الشعوب وعن المعارك الفاصله في عمر الارض, وجدوه وقد وضع كتبه جانباً ثم قال: اليوم سوف أعلمكم كيف تطبخون الضفدع حياً!.

 نظر الحاضرون الى بعضهم ليتاكدوا من انهم سمعوا الهذيان نفسه وعندما عادوا إليه بابصارهم كان يتابع كلامه وكأن شيئا لم يكن: لنرَ من منكم لديه بعض الحلول؟  لكن غرابة السؤال اذهلتهم, فرد أحدهم بعفوية قائلاً: نطبخه فى اناء فيه ماء يغلى!!.

 بكل هذه البساطة!!! ردد الشيخ في تهكم وما الذي سوف يغريه بالبقاء في اناء لا يوجد به إلا ماء ويغلي ايضا ترى لو كنت مكانه هل كنت ترغب في البقاء؟؟!!, سكت الجمع واحس الجميع بسحابة من الغباء تظللهم.

 اما العجوز وبعد ان زرع في نفوسهم انهم بحضرة من هو اعلم منهم بكثير، هنا قال: لو وضعنا الضفدع فى الماء الساخن لقفز منه فوراً, مهما كانت المغريات بدافع حب البقاء, ولو وضعناه في ماء دافئ لبقى قليلاً ثم قفز خارجاً طلباً للغذاء, لكن لو وضعناه في الماء الدافئ فوق النار الهادئة، ووضعنا في الماء بعض الطعام بطريقة تجعل الحصول عليه صعباً ولكن ليس مستحيلاً فإن الضفدع سيبقى في الإناء حتى يموت مغلياً!!!.

 لماذا لا يقفز والماء يغلي؟؟! قال الشيخ سائلاً نفسه, لان ردة فعله التى كان يتميز بها قد تم ترويضها بالماء الدافئ الذي زادت سخونته تدريجياً, حتى أصبحت ردة الفعل تلك خيطا من دخان لا يعلم أحد أين ذهب, ثم اكمل الشيخ رافعا صوته: هكذا ايتها العقول الفارغة تـُحكم الامم هكذا توضع الاغلال في اعناق الشعوب, تلك التي لا طاقة لكم بمواجهتها ولا قدرة لكم على تحمل غضبتها.

 اشغلوها بالبحث عن طعامها بيد, وباليد الاخرى حافظوا على استمرار اتقاد النار الهادئة تحتها في ازدياد محسوب, احذروا من ان تزيدوا حدة النار فجاة, الا بعد ان تروا اطرافها قد تمددت واصبحت غير قادرة على اتخاذ قرار قفزتها, ولا يغبن عن بالكم استمرار وجود الطعام, ولكن بالقدر الضروري فقط لإشغالها عن التفكير في ما تحت الاناء.

ثم اخذ الشيخ في التحرك امامهم واضعا يديه خلف ظهره وهو يقول: هناك عقول لا تستطيع التفكير في اكثر من امر واحد في ذات الوقت, اشغلوها بامرها ذاك. وهناك عقول حُبست في محيط جسدها, لا تفكر الا في اشباع رغباته, اجعلوا تلك الرغبات افقا لا نهاية له.

هكذا تحكم الشعوب المستعبدة و ها هو التراث العربى خير دليل و شاهد على ان العرب هم الاوائل فى احكام قبضاتهم على الشعوب .